قصص قصيرة

طفلة_الزُهري لـ شهيرة عبد الحميد

عم جمال: أنا اجازة يابنتي زيك، النهاردة المدرسة طلعت سلطان بدالي سواق.

أنا ونهلة بصينا لبعض بصة عمري ما أنساها…
كان عم جمال لسه على السكة وعمال يقول “الوووو.. الووو.. سامعني ولا ايه طيب.. باينها شبكةـــــــ” والسكة اتقفلت.

دقايق صمت بتدور حوالينا،
كسرتها نهلة لما شافت دموعي وقالتلي “أنتي متأكدة أنك ركبتيها مع عم جمال”!!

مش عارفة أقولها إيه!
مش عارفة انطق
كل الـ قدرت عليه اني فضلت أصرخ وانادي بأسم بنتي “حــبـيـبــةةـــ حــبـيـبــــةــــ”…

عقلي خلاص راح مني،
معنديش قدرة افتكر أي شيء
نقلوني على مستشفى لما حالتي ساءت زيادة
نهلة فضلت معايا مسابتنيش لحظة

مستسلمتش
قدرت أتمالك اعصابي وجريت من المستشفى زي المجنونة بقطع وبشيل في الكانيولا من أيدي الـ وصلولي فيها مهدئ

نهلة كانت بتجري ورايا وبتبكي على حالي وبتسألني “رايحة فين بس يا سامية، كده بتموتي روحك”…

معرفش أنا رايحة فين
بس رجلي كانت وخداني على مدرسة حبيبة
أكيد بنتي هناك
ورغم أننا بقينا المغرب خلاص وأكيد قفلت
إلا أن قلبي خدني على هناك
شاورت لأول تاكسي
كان خايف من منظري وانا بنزف من أيدي ووشي عليه أثر الدم ومتبهدلة
نهلة وقفت معايا وشاورت لتاكسي غيره،
وقفلنا وركبنا قولتله “وديني مدرسة **** الـ في الأحياء”.

طول الطريق نهلة بتقنعني إننا رايحين على الفاضي والمدرسة أكيد فاضية،
لكني صممت ربما تكون حبيبة تايهة هناك ومحدش خد باله منها
وصلنا،
وكما المتوقع
المدرسة مقفولة
مفيش غير الحارس ومراته
خبطت بكل قوتي على الباب
لحد ما فتحولي وهما متفاجئين بهيئتي
وبيسألوا “جرا إيه يا هوانم خير “.

قولتله بصوت متقطع “حبيبة.. حبيبي بنتي ياعم سعيد، مرجعتش لحد دلوقتي.. مشوفتهاش النهاردة خالص؟”

قعد يفتكر شوية، وبعدين قالي “لا والله يا هانم متخيلتش بيها ابدًا، بس ازاي يعني مرجعتش استني اتصلك بسلطان ونطمن يمكن تعبت وياه ولا حاجة”.

هزيت راسي وانا بقوله”لا لا لا.. سلطان مخدهاش مني.. انا اديتها لعم جمال الصبح، اديني عنوانه أنا هـ.ـبلغ عنه”.

نهلة شهقت وقالتلي “سامية بلاش الجنان يقودك في أذية الناس، عم جمال اجازة النهاردة هتاخدي عنوانه تعملي ايه هو ماله بالليلة دي كلها”.

أكد على كلامها عم سعيد وقالي “فعلًا ياست هانم، جمال اجازة ومجاش النهاردة ابدًا، وبعدين ده راجل طيب حرام تأذيه ده عنده عيال بيربيهم بردو”.

كلامهم مفرقش معايا كتير، كل تفكيري في بنتي حبيبتي حصلها ايه وفين!
صممت اخد منه العنوان،
ومشيت مع نهلة الـ مبطلتش زن طول الطريق وهي بتحاول تهديني وتقنعني أن عم جمال ملوش ذنب.

لكني مش مجنونة علشان اشوفه الصبح وياخدها مني وهو بيصبح عليا بصوته واعتبر كل دي مجرد تهيؤوات؟!

حتى لو جوايا شك أنهم على حق، همشي على كل دليل يوصلني بحبيبة.

وصلنا قصاد بيت عم سعيد
طلع على قد حاله بزيادة
وده يمكن خلاني اتعاطف معاه شوية
ومكلمش الشرطة هناك

بيته عبارة عن حوش في المقابر، أول ما وصلت سألت في الشارع “فين بيت عم جمال!”
كل الناس كانوا عارفينه وشاورولي عليه.

كان حوش واسع،
كله عيال صغيرة بتلعب
حوالي ست أو سبع اطفال فئات عمرية متقاربة
سألتهم “فين عم جمال لو سمحتوا!”

كلهم نادوا في صوت واحد “باباااا.. بابااا.. “.

خرج عم جمال ماسك جلبيته وبيجري عليهم، وشافني أنا ونهلة وقف مصدوم شوية من زيارتنا المفاجئة، وسأل بصوت كله ربكة وقلق “خير يا جماعة، خير في إيه”.

حطيت ايدي على راس بنت من بناته كانت واقفة مسكاني من هدومي وبتشغبط عليا بقلم في ايديها، وقولتله “وحيات عيالك يا عم جمال، أنت مشوفتش حبيبة بنتي؟ مش انا سلمتهالك الصبح؟”.

برق بعيونه وقالي بصدمة “أنا يا هانم؟؟ يا هانم أنا اجازة بالعافية، وازاي بنتك مرجعتش كل ده يعني.. الواد سلطان كلمتوه ط؟ دي تبقى نايبة على الكل لو حصل كده بصحيح”.

قعدت في الأرض فاقدة الأمل
بسأل نفسي “يعني خلاص..! بنتي ضاعت، حبيبة مش هشوفها تاني! طب مين الـ جتلي البيت بدالها دي..”.

دماغي هـ.ـتنفجر
وقلبي محروق عليها
نهلة قعدت جنبي وقالتلي “الـ بتعمليه ده مش هيرجعها يا سامية، قومي معايا نروح القسم نعمل بلاغ تغيب، واكيد هما هيتصرفوا”.

ماكنش عندي حيلة تاني أعملها، وقومت معاها بعد ما اعتذرت لعم جمال ودخلنا القسم قدمت بلاغ بتغيبها من خلال المدرسة وحكيت كل التفاصيل

قالولي مش هيقدروا يفتحوا محضر إلا بعد مرور أربعة وعشرين ساعة!
يعني المفروض يمر يوم كامل علشان أي حد يتحرك ويشوفلي بنتي!!

نهلة رجعتني البيت بالعافية
وانا ماشية وياها زي المختلة بصرخ وبنادي في كل الشوارع “حبيبة.. حبيبة ردي على امك.. حبيبة ارجعي بقا كفايا”

دخلت الشقة وانا حاسة بهدوء مُريب
فين حس بنتي هنا؟
فين صوتها ازعاجها وهي بتلعب؟
فين الانوار الكتير الشغالة في كل ركن من البيت بسببها

نعمة كبيرة محسيتهاش غير دلوقتي
بتمنى لو ترجع بس دقيقة
أو حتى الاقي جثتها
ادفنها بأيدي واطمن أنها موجودة مختفتش بشكل نهائي كده!!

دخلت اوضتي بتسند على نهلة،
نمت على سريري زي القتيل
جسمي متخدر صحيح
لكن كل حتة فيا بتصرخ من الألم والقهرة

وبقيت أردد “يارب.. يارب.. يارب”

نهلة تعبت معايا طول اليوم،
ضيعت عليها يوم اجازتها
وملحقتش تقعد مع عيالها
قالتلي بحرج وهي بتطبطب على شعري “سامية حقك عليا، ماكنتش عايزة اسيبك بس منصور جوزي مش هيسكت هو والعيال، أنا هاخد اجازة بكرا كمان واجيلك طول اليوم”.

شاورت لها اني فاهمة موقفها،
وخرجت هي قفلت الباب وراها
وبقيت أنا لوحدي في شقتي
بشم في ريحة السرير والمفرش علشان احس بوجود حبيبة جنبي

دقايق معرفش أنا نمت ولا كنت صاحية
ولقيت باب الاوضة بيفتح ببطء شديد وبيعمل صوت تزييق واضح..!!

انفاسي زادت،
وقلبي دقاته سرعت لما ظهرلي طرف فستان حبيبة!!

بس لما فتحت الباب اكتر
ماكنتش حبيبة بنتي
لا لا لا
دي الشبح
نفس الشبح بتاعت امبارح
الـ دخلتها الحمام وقفلت عليها!!

بدأت تقرب عليا خطوة خطوة
وأنا ثابتة مكاني وعيوني قربت تخرج من وشي
مش قادرة أصرخ
ومش قادرة اهرب
غصب عني متصلبة قصادها
براقب كل خطوة ليها تجاهي
وروحي بتتسحب مني اكتر
قربت مني لدرجة شديدة
ومدتلي ايديها
كانت ماسكة قلم بغطاء بلاستيكي مرسوم عليه فيونكة
ده قلم حبيبة!!

مديت لها أيدي اخد منها القلم وانا بترعش من الخوف
ومسكته في أيدي وانا بقولها “ده.. ده قلم حبيبة صح!”.

برقتلي جامد وصرخت في وشي صرخة خلتني احط ايدي على وداني الاتنين من شدتها،
وبعد لحظات اختفت!!

بصيت حواليا في كل ركن مش لقياها
بدأ الدم يتدفق في عروقي من جديد، واخد انفاسي بطبيعية
بحاول استوعب أنا كنت في كابوس ولا واقع!

دورت بعيني حواليا،
لحد ما عيني استقرت على قلم حبيبة الواقع في الأرض
لما صرخت فيا غصب عني وقعته من أيدي!

مسكته بلهفة
وعرفت أنه كان واقع مُرعب مش كابوس زي ما شككت في نفسي!
قلبت القلم في أيدي وانا مش فاهمة “ده معناه إيه!! الشبح دي عايزة تقول إيه بالظبط! وليه كل مرة ظهرتلي مأذتنيش!”.

وسط تفكيري
عيني جت على فستاني الـ مغيرتوش من وقت ما جيت
وشوفت شخبطة بالقلم الجاف عليه
دي شخبطة من بنت عم جمال
كانت ماسكة قلم ….!!!!

أنا إزاي مخدتش بالي أن القلم الـ كان في أيد الطفلة هو هو قلم بنتي حبيبة!!!

الصفحة السابقة 1 2 3الصفحة التالية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock