قصص قصيرة

قصة الطفلة شهد في الدقهلية

في هذه الأثناء، تلقّت الطفلة دعمًا من آلاف المتابعين عبر منصات التواصل، حيث امتلأت الصفحات برسائل تضامن ورسوم كرتونية تُجسّد حريتها. ظهرت حملات إلكترونية تطالب بوضع اسم “شهد” كرمز لحما.ية الأطفال المعنّفين، ودعوات لتعديل بعض بنود قانون الأحوال الشخصية. بدأ بعض المحامين والبرلمانيين تقديم مقترحات لتشديد الرقابة على حالات الحضانة، خصوصًا عند وجود خلاف بين الزوجين. بينما شارك مختصون في مؤتمرات طارئة تبحث في سبل التدخل المبكر قبل تفاقم مثل هذه الحالات. كل هذا الحراك بدأ بفتاة صغيرة خرجت من الظلام لتنير المجتمع كله.

ما يجعل هذه القضية مختلفة أن المتهم لم يكن وح.شًا غريبًا، بل أبًا كان من المفترض أن يكون الأمان لطفلته. هذا التناقض الصار.خ كشف هشاشة الوضع القانوني للأبناء بعد الطلاق، وأعاد طرح أسئلة عن ضعف الرقابة في القرى والمناطق المهمشة. هل تكفي قوانين الحضانة الحالية؟ وهل تكفي المراكز الاجتماعية القليلة لمتابعة كل النزاعات العائلية؟ شهد، رغم صغر سنها، أثارت حوارًا وطنيًا لا يمكن تجاهله. وما ستقرره المحكمة قريبًا، لن يكون فقط نهاية قضية، بل ربما بداية إصلاح كامل.

هل ستكون الأحكام الصادرة كافية لإعادة الطفلة إلى مسار حياتها الطبيعي وآفاق أمل جديدة؟ وما هي التفاصيل التي تحملها التقارير النفسية عن الحالة الداخلية لهذه الطفلة، وما حجم التأثير العميق الذي تركته هذه التجربة عليها؟ الصفحة الخامسة ستسلّط الضوء على الجانب الإنساني الأعمق وتكشف لك ما وراء المشاعر والأرقام…

التقارير النفسية التي أُعدّت عن الطفلة شهد رسمت صورة مو.جعة أكثر مما تصوّره الإعلام. فشخصيتها بحسب الأطباء “غير مستقرة”، وتعاني من أعراض ما يُعرف بـ”اضطر.اب ما بعد  المزمنة”. تخاف من الأبواب المغلقة، تتوقف عن الكلام فجأة عند ذكر اسم أبيها، وتشعر بالذ.نب عند الضحك أو اللعب. تقول إحدى الطبيبات: “شهد لا تعرف ما يعنيه الشعور بالأمان، تحتاج أن تتعلم من الصفر كيف تثق بالبشر”. الطفلة تحتاج إلى سنوات من العلاج النفسي والسلوكي، وربما تدخل في برامج إعادة تأهيل عا.طفي ومعرفي عميقة.

من جهة الغذاء، أظهرت تحاليل الد.م نقصًا حادًا في الحديد والفيتامينات الأساسية، نتيجة الإهمال الطويل. طبيبتها المعالجة أكدت أن جس.مها يعاني من آثار حب.س طويل، كالتي تُلاحظ على أسرى  أو المحت.جزين لسنوات. تم تخصيص نظام غذائي دقيق يعوّض هذا النقص تدريجيًا، إلى جانب دعم نفسي مكثف لتح.سين علاقتها بالطعام. شهد لا تزال تخشى “العقاب على الأكل” – وهو ما كشف حج.م التش.ويه الذي طال مفاهيمها اليومية. واحدة من جلساتها العلاجية كانت فقط لفهم الفرق بين “البيت” و”السج.ن”… مفهوم لم يكن واضحًا لديها.

اليوم، تعيش شهد في دار رعاية مؤقتة بإشراف وزارة التضامن الاجتماعي، وسط متابعة دقيقة ومستمرة. لا زيارات غير مشروطة، لا تصوير، لا تدخل من الإعلام. القائمون على حالتها يحاولون أن يعيدوا لها الإحساس بالزمن والروتين الطبيعي: نوم في وقت محدد، طعام منتظم، تعليم غير رسمي كبداية. في إحدى الجلسات، قالت الفتاة إنها تحلم أن تمشي في شارع مليء بالناس دون أن تختبئ. يبدو حلمًا بسيطًا لأي طفل… لكنه بالنسبة لها هدف يتطلب أشهر من الشفاء الداخلي.
مستقبل شهد لا يزال مجهولًا، لكن المؤكد أنها لن تكون وحدها بعد الآن. صوتها الذي خرج من غرفة باردة في بيت مهجور وصل إلى آلاف الناس، وجعل من قضيتها جرس إنذار لا يمكن تجاهله. منظمات عربية ودولية بدأت تتواصل مع الجهات الرسمية في مصر لعرض المساعدة، سواء بالعلاج أو بالرعاية الطويلة المدى. البعض يطالب بأن يُطلق اسم “شهد” على مبادرة وطنية لحماية الأطفال من العن.ف الأسري. قد لا تغيّر هذه الخطوات الماضي، لكنها قد تفتح بابًا جديدًا لطفلة بدأت حياتها من تحت الصفر.

الصفحة السابقة 1 2

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock