
في ليلة زفافي عندما رأيت زوجي أرتجفت
لك. لم يكن هذا رشوة. كان اعترافا بأننا نطلب الكثير منك.
منذ تلك اللحظة بدأت أيامنا الغريبة. لم يكن بيننا ذلك التوتر الذي يسبق اكتشاف جسدين لبعضهما ولا ذلك الحرج الذي يحيط بزواج تقليدي. كان بيننا نوع آخر من التعارف أن نتعلم كيف نقف إلى جوار الآخر دون أن نضغط عليه كيف نترك مساحة للهواء كي يمر من بيننا فلا نختنق. كان مايكل يستيقظ مبكرا يقرأ في كتب عن التصوير والرسم يدون ملاحظات على أوراق صفراء ثم يمر على المطبخ ليسألني بطريقة لطيفة إن كنت أريد شيئا من المدينة. أخذني مرات إلى بحيرة تاهو حيث البيت الذي صار اسمي مكتوبا على أوراقه لكنه ظل يشعرني كأنه شيء أكبر من قدرتي على التملك بيت يطل على صفحة ماء زرقاء تلمع صباحا كحد سكين وتلين مساء كوجه أم متعبة.
في إحدى مرات المشي حول البحيرة سألته إن كان الرسم هوايته القديمة. ابتسم بتردد واعترف أنه لم يرسم إلا في الجامعة ثم ترك كل شيء ليدير أعمال العائلة بعد أول إشارات مرض والدته. قلت ارسم. كلمة واحدة خرجت مني كما لو أنها نصيحة لنفسي. في اليوم التالي عاد بلوحة كان قد بدأها قبل سنوات أطراف أشجار صنوبر وانكسار الضوء على الماء. وضع اللوحة في غرفة المعيشة وجلسيحدق فيها كمن يفتح نافذة على نفسه.
لم تكن علاقة سهلة. السهولة تحتاج إلى خريطة عرفها الناس من قبل زوجان بيت أطفال خطوط واضحة تسهل على الجيران والأقارب تصنيفك. أما نحن فكنا نمشي في أرض بلا خرائط. كان بعض أفراد العائلة يبتسمون لي بصدق وبعضهم يبتسم بلباقة تخفي سؤالا لماذا هي ولماذا الآن كان الصحفيون يقتربون أحيانا من البيت المطل على الشاطئ يحاولون التقاط صورة لابنة الخادمة التي صارت سيدة ثم يغادرون بخيبة لأنهم لم يجدوا فضيحة جاهزة للتقديم على موائد الناس. تعلمت أن أغلق الستائر عند الغروب وأن أفتحها فقط عندما يشرق الضوء على الحائط المقابل وتظهر الظلال الناعمة للغصون.
كانت السيدة إليانور تأتي أياما إلى البحيرة تقضي وقتها على كرسي مريح قرب النافذة الكبيرة. كانت شاحبة لكن شحوبها لم يقتل فخامتها. قالت لي يوما وهي تنظر إلى الماء كنت أريد لابني أن يجد امرأة لا تجرحه بحلمه. هذا كل ما كنت أريده. لم أرد. اكتفيت بأن أحضر لها شايا محلى بالعسل. وضعت يدها على يدي وقالت أعلم أنك لست تاجا يعرض أمام مجتمعنا. أنت امرأة. وهذا يكفي.
في إحدى ليالي الشتاء والثلج يتساقط كثيفا سمعت صوتا غريبا في غرفة النوم. كان مايكليتنفس بسرعة وعيناه مفتوحتان كأنه يرى كابوسا لا يخص النوم. أمسك بصدغه بيده ثم انحنى صار جسده قوسا يضغط نفسه في فراغ. ارتبكت. صرخت باسمه ولم يجب. لم أعرف سوى أن أطلب المساعدة. قدت السيارة رغم الثلج إلى المركز الطبي في المدينة يداه على صدري وأنا أمسكه كما لو أنني أحمل قلبا خارج جسدي. هناك في الضوء البارد للمستشفى أخذه الأطباء إلى الداخل. بقيت في الردهة أعد ثواني الساعة المعلقة. لم أفكر في شيء. كنت كمن يقف على حافة ماء أسود لا يرى عمقه لكنه يعرف أنه سيقفز لو طال الانتظار.
عندما خرج الطبيب قال إنها نوبة قصيرة من تشنج بسبب ضغط وتعب. سيحتاج إلى متابعة. دخلت الغرفة. كان مايكل شاحبا لكنه فتح عينيه عندما سمع وقع حذائي. ضغط يدي بقوة جعلت أصابعي تئن وقال بصوت مبحوح لو يوما تعبت اتركي لا أريدك أن تتعذبي. بكيت. لم أبك بضعف ولا بقوة بل بصدق. قلت له لن أتركك. ليس لأن البيت باسمي. بل لأنك أصبحت بيتي.
تلك الليلة صنعت شيئا لا تصنعه مراسم الأعراس. أعطت علاقتنا اسما لم نجرؤ على نطقه نحن اثنان اختارا أن يتقاسما العطب والأمان. من بعدها بدأنا نعيد ترتيب حياتنا كما يعيد الرسام توزيع الضوء على لوحة قديمة. أخذ مايكلأجازات أكثر من العمل. عاد إلى الرسم بجدية. صار يخرج باللوحات إلى الشرفة يرسم حركة الماء في العاشرة صباحا ويعود في المساء ليقول ضاحكا إن الماء لا يثبت بما يكفي ليرسمه. اقترحت عليه أن نصنع ركنا صغيرا في البيت لعمل لا يخص العائلة. انضممنا إلى برنامج محلي لرعاية الأطفال الذين يحتاجون أسرا يستقبلونهم مؤقتا في عطلات نهاية الأسبوع. لم نكن نعد أحدا بشيء لكننا كنا نفتح باب البيت على اتساعه لنمنح وقتا صادقا ودفئا بسيطا. جاءنا صبي في التاسعة اسمه تومي كان يحب السيارات ويخاف من الكلاب. علمه مايكل كيف يثبت ريشة على قلم ويصنع بها خطوطا رفيعة. علمته كيف يخبز بسكويت الشوفان. في يوم من تلك الأيام قال تومي وهو ينظر إلى لوحتنا المعلقة فوق المدفأة هذا بيت سعيد. لم أسأله كيف عرف. الأطفال عندهم بوصلة لا تخطئ.
مرض السيدة إليانور أخذ منحناه الأخير بهدوء غير متوقع. عاشت شهرين في بيت البحيرة. كانت تقرأ بصوت خافت من مذكراتها القديمة وتطلب من مايكل أن يضع لها موسيقى كلاسيكية خفيفة. في إحدى الأمسيات طلبت مني أن أجلس قربها. قالت هل تشعرين يوما أنك ما زلت خادمة في منزلي ابتسمت. لم تكن ابتسامة دفاع ولا مجاملة. كانت ابتسامةاعتراف





