قصص قصيرة

أبٌ عازب يعمل عاملَ نظافة يرقص مع فتاة ذات إعاقة… غير مدرك أنّ والدتها المليارديرة تراقبه من بعيد…

كان آرون بليك يعرف كل شق في أرضية صالة الألعاب المدرسيةلا لأنه كان يمارس الرياضة عليها بل لأنه كان يمسحها ويشمعها يوما بعد يوم.
كان عامل النظافة هناك أرملا يربي ابنه ذي الأعوام السبعة جونا الذي كان غالبا ينام فوق المدرجات بينما يعمل والده. أصبحت الحياة بالنسبة لآرون إيقاعا هادئا من كنس الأرضيات وحمل الأعباء التي لا يمكن للكلمات وصفها والتظاهر بأن كل شيء بخير بينما الحقيقة كانت عكس ذلك.
في ذلك العصر كانت الصالة تضج بالاستعدادات لحفل المدرسة. فوانيس ورقية معلقة في الأعلى ضحكات تتردد في المكان وآرون يتحرك بصمت بين المتطوعين ممسكا مكنسته المعتادة.
ثم سمع صوتا خافتاعجلات كرسي تهمس فوق الخشب اللامع. تقدمت نحوه فتاة لا يتجاوز عمرها الثالثة عشرة.
كان اسمها ليلا. شعرها يلمع كخيوط الشمس وصوتها يحمل خجلا واضحا لكن عينيها كانتا شجاعتين على نحو جميل.
سألت هل تعرف كيف ترقص
ضحك آرون بخجل. أنا كل ما أفعله هو أن أجعل الأرضية تلمع.
قالت بصوت منخفض ليس لدي أحد أرقص معه هل ترقصمعي لدقيقة واحدة فقط.
تردد لحظة ناظرا إلى بزته الملطخة والممسحة وطفله النائم ثم وضع الممسحة جانبا. أمسك بيدها ودفع كرسيها برفق نحو منتصف الصالة.
لم تكن هناك موسيقى سوى دندنة صوته وهو يبدأ بالتمايل. ضحكت وابتسم هو.
وفي تلك اللحظة لم يكونا عامل النظافة والفتاة على الكرسي. كانا شخصين يتشاركان لحظة إنسانية صغيرة تشبه المعجزة.
وعند المدخل كانت والدة ليلا كارولين ويتمور تراقب بعينين دامعتين. امرأة ثرية اعتادت السيطرة أمضت سنوات تحمي ابنتها من الشفقة والألم.
لكن تلك الليلة حين رأت آرون يعامل ليلا بلطف صادق تغير شيء بداخلها.
وحين بدأت الموسيقى لاحقا همست ليلا شكرا لم يطلب أحد مني الرقص من قبل.
أجابها آرون بابتسامة خجولة خفيفة كأنها تخشى أن تحدث ضجيجا
أنت من طلب أولا وأنا فقط لبيت الطلب.
كانت ضحكة ليلا الصغيرة تذوب في أرجاء الصالة كهمسة ضوء فيما كانت موسيقى الحفل تتلاشى رويدا رويدا مع مغادرة الضيوف. وحين انطفأت آخر الفوانيس الورقية وعم الهدوء ألقى آرون نظرة طويلة علىالمكان الذي شهد تلك اللحظة التي لم يتوقع أن تغير شيئا من حياته لكنه شعر داخليا بشيء خفي أن شيئا تحرك بداخله.
بعد أن غادر الجميع وبينما كان يجمع ما تبقى من قصاصات الورق سمع وقع خطوات ناعمةنغمة خفيفة لكعب رقيق يلامس الأرض الخشبية بصوت متزن واثق. التفت فرأى امرأة تقف عند الباب.
كانت كارولين ويتمور تحمل في ملامحها مزيجا من الإرهاق والهيبة وفي عينيها لمعة شيء لم يفهمه في البدايةربما الامتنان وربما شيئا أعمق وأثقل من ذلك.
تقدمت خطوة ثم قالت بصوت هادئ لكنه محكم كأنها اختارت كلماته بعناية
السيد بليك أنا كارولين ويتمور. سمعت من ابنتي ما فعلته.
توقفت لحظة وكأن الكلمات خنقتها ثم أضافت
قالت لي ماما جعلني أحدهم أشعر كأنني أميرة.
لم يعرف آرون كيف يرد. شعر بدفء يتصاعد إلى وجهه وامتزج ذلك الدفء بخجل صادق جعله ينظر نحو الأرض ممسكا بالممسحة كأنها درع يحاول الاتكاء عليه.
قال بصوت منخفض
لم أفعل شيئا كبيرا كنت فقط أحاول أن لا تشعر بأنها وحدها.
هزت كارولين رأسها وأطلقت زفيرا خفيفاكأنها تهز معها أعباء السنوات.
قالت
ما فعلته لم يكن عابرا ليس بالنسبة لها ولا بالنسبة لي. ابنتي مرت بالكثير. أكثر مما تتخيل.
اقتربت أكثر وبدت كلماتها دافئة على غير عادتها.
أود دعوتك إلى الغداء. ليلا تريد شكرك وأنا أيضا.
ارتبك آرون. فكرة الجلوس مع امرأة من عالمهاعالم الثراء التسميات الاجتماعات الراقيةكانت كفيلة بأن تجعله يشعر بأنه دخيل. لكنه رأى وجه ابنته الصغيرة في ذاكرته وتذكر كيف ضحكت. ضحكة لم يسمعها منذ وقت طويل.
وفي النهاية قال بصوت خافت
حسنا سأحضر.
في اليوم التالي كان آرون في طريقه إلى المقهى الصغير وهو يشد يد جونا الذي كان يمشي بقفزات صغيرة بسبب الحماسة. كان المكان دافئا يعبق برائحة القهوة والفطائر. جلسوا جميعا إلى طاولة خشبية بسيطة قرب النافذة.
كانت ليلا تبتسم لوالده من بعيد وعيناها تمتلئان بضوء جديد لم تعتد عليه والدتها. جلس آرون بتردد لكنه ما لبث أن شعر بالدفء ينساب بداخله حين قدم النادل فطائر ساخنة تنبعث منها رائحة الفانيلا والزبدة.
وبين لحظة وأخرى كانجونا يضحك بطريقة طفولية معدية فتتبدل

1 2الصفحة التالية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock