قصص قصيرة

ترك 32,500 ريال فوق الخزانة ليمتحن أمانتها… ففعلت شيئًا لم يتوقّعه قلبه ولا كاميراته!

الطاولة وبجانبه المحامي.
آنا اجلسي من فضلك.
جلست ويداها ترتجفان قليلا.
لم ترتكبي أي خطأ على العكس. أريد فقط أن أعطيك شيئا تستحقينه منذ زمن طويل.
دفع بالأوراق نحوها. نظرت عقد عمل وظيفة رسمية راتب شهري 3500 ريال تأمين صحي بدل طعام إجازات مدفوعة.
اتسعت عيناها
يا سيد أنا
انتظري هناك المزيد.
دفع ورقة أخرى
منحتان دراسيتان كاملتان لميغيل ولوانا في مدرسة خاصة شامل الكتب والقرطاسية والزي.
وضعت آنا يدها على فمها والدموع تملأ عينيها
لا أستطيع قبول هذا لا أستطيع.
تستطيعين وستقبلين لأن هذا ليس إحسانا بل كرامة. إنه ما تستحقينه دائما ولم تحصلي عليه.
ثم دفع آخر ورقة
صندوق استثمار باسمها بقيمة مئة ألف ريال بدخل شهري ثابت.
انهارت آنا بالبكاء وغطت وجهها بيديها وكتفاها ترتجفان. انتظر مارسيلو بصبر واحترام.
وحين استطاعت الكلام خرج صوتها مكسورا
لماذا لماذا كل هذا
لأنك أريتني ما أصبحت عليه ولم أعجب بما رأيت. فقررت أن أتغير ليس من أجلك أنت فقط بل من أجل نفسي أيضا. أمضيت سنوات أختبر أمانة الناس وأنت علمتني أن الأمانة ليست شيئا نختبره بل شيئا نعيشه كل يوم في قرارات صغيرة لا يراها أحد.
مسحت آنا دموعها
لا أعرف ماذا أقول.
لا حاجة لأن تقولي شيئا. فقط استمري في كونك كما أنت فالعالم بحاجة إلى مزيد من أمثالك.
هزت رأسها ببطء لا تزال تحت الصدمة.
ابتسم مارسيلو ولأول مرة منذ سنوات كان ابتسامة صادقة.
بعد ستة أشهر تغيرت حياة آنا بالكامل تقريبا
ميغيل ولوانا في مدرسة خاصة بزي مرتب وكتب جديدة.
اتصلت معلمة ميغيل لتخبرها بأنه متميز في الرياضيات وقالت معلمة لوانا إن لديها موهبة في الرسم.
التحقت آنا بدورة تعليم مسائي لإكمال الثانوية وكانت من المتفوقين وتحلم الآن بدخول كلية التربية.
كانت السيدة سليا تتلقى علاجا طبيعيا لالتهاب المفاصل يغطيهالتأمين الصحي. وكانت تقول إنها تشعر وكأن عمرها أقل بعشرين عاما.
أما آنا فكانت تعمل في بيت مارسيلو ثلاثة أيام في الأسبوع ليس فقط لتنظيفه بل لترتيبه وتنظيم الوجبات واختيار الزهور وتحويل ذلك المكان البارد إلى بيت حي.
ومارسيلو تغير أيضا
توقف عن اختبار الناس وكف عن الأحكام القاسية وبدأ يتطوع في مشاريع اجتماعية ويمول منحا دراسية للشباب ويطلق برنامج قروض صغيرة للأمهات العازبات ويستثمر في التعليم والكرامة والتغيير الحقيقي.
وكلما فعل ذلك شعر بخفة لم يعرفها من قبل كانت الجدران حول قلبه تتهاوى ببطء حجرا بعد حجر.
بعد عام وثلاثة أشهر لم يعد القصر كما كان
صارت ضحكات الأطفال تملأ أرجاءه وأصبحت الحديقة تضم أرجوحة وبيتا صغيرا للعب وكرة منسية قرب المسبح.
صارت غرفة الجلوس تحوي وسائد ملونة ورسومات أطفال معلقة على الثلاجة بمغناطيس ورائحة كعك منزلي لا تفارق المكان.
وتغير مارسيلو هو الآخر
استبدل بدلة العمل في عطلة نهاية الأسبوع بقميص بسيط وتخلى عن مظهره المتكلف وصارت ابتسامته حقيقية لا دفاعية.
كان قد وقع في حب آنا وفي حب طفليها وفي حب الحياة الجديدة التي لم يتخيلها يوما.
البداية كانت بطيئة مرت أشهر وهو يكتفي بالحضور دون ضغط. كان يوصلها بالسيارة في الأيام الماطرة ويأخذ الأطفال إلى المدرسة إذا بدت متعبة ويأتي بطعام جاهز في عطلة نهاية الأسبوع ليمنحها وقتا للراحة ويجلس مع ميغيل ولوانا يشاهدان الرسوم.
بدأ ميغيل يناديه العم مارسيلو ويسأله ببراءة
عمي هل تحب أمي
وكان يجيب بصدق
أحبها جدا أمك أعظم امرأة عرفتها.
كانت لوانا أكثر خجلا لكن في أحد الأيام جلست وقدمت له زهرة من الحديقة وقالت بهمس
هذه لك لأنك تجعل أمي تبتسم.
احتاجت آنا خمسة أشهر لتسمح لقلبها بالاستسلام لا لأنها لم تشعر بشيء بل لأنها خافت خافت أن تجرح مرة أخرى أن تعرضأبناءها للأذى أن يكون ما تشعر به مجرد امتنان لا حب.
ولكن مع مرور الوقت أدركت أن ما بينهما كان أكبر من الشكر.
رأته كيف يتعامل مع أطفالها وكيف يصغي وكيف يحترم. رأته يلتفت للتفاصيل الصغيرة ويحمل عنهم أثقالا كثيرة بصمت.
وعندما أنهت آنا المرحلة الثانوية بنجاح أقام لها مارسيلو عشاء بسيطا في البيت
لزانيا منزلية كعكة شوكولاتة وطاولة مضاءة بالشموع.
ألقى كلمة قصيرة أمامها وأمام الأطفال ووالدتها أثنى فيها على صمودها وكفاحها وأخبرها أنه يؤمن بأنها ستكمل طريقها إلى الجامعة وأنها ستصبح معلمة تغير حياة الكثيرين كما غيرت حياته هو.
ثم قدم لها مفتاحا لمنزل جديد اشتراه باسمها بثلاث غرف وحديقة صغيرة قريب من مدرسة الأطفال والجامعة. قال لها إنه بيتها مسجل لها ولأطفالها ووالدتها لكي لا تقلق بعد اليوم بشأن الإيجار ولكي يكون لهم بيت حقيقي.
بكت آنا طويلا وعانقها أطفالها وشكرته والدتها وهي تقول له
شكرا لأنك ترى ابنتي كما تستحق أن ترى.
ومع الوقت صار واضحا أن ما يجمعهما أعمق من الامتنان وأن بينهما مودة ورحمة حقيقيتان.
وبعد فترة طلب منها الزواج في حفل بسيط حضرته الأسرة وبعض الأصدقاء.
وافقت آنا والدموع في عينيها وقالت له إنها أحبته ليس لأنه أنقذها بل لأنه تغير بإرادته ولأنه أحب أبناءها كما لو كانوا أبناءه ولأنه عاملها بكل احترام.
تم الزواج في كنيسة صغيرة بحضور المقربين وكان ذلك بداية فصل جديد لهما جميعا
بيت مليء بالأطفال والضحكات وأم تتابع دراستها لتحقق حلمها وجدة تتلقى العلاج وتخبز الكعك وتزرع في الحديقة ورجل كان يعيش في قصر بارد تعلم أخيرا كيف يعيش في بيت دافئ.
بعد عامين كانت حياة الأسرة قد استقرت على إيقاع جديد
ميغيل في فريق كرة القدم المدرسي لا يفوت مارسيلو له مباراة
لوانا تتعلم الباليه وآنا باتت طالبة متفوقة في كلية التربيةتحلم بفتح مدرسة مجتمعية في حيها القديم
والسيدة سليا بخير والبيت الجديد مليء بالألوان.
كانت آنا حاملا بطفلة لا يزالان يختلفان بشأن اسمها. وفي إحدى الأمسيات كانا جالسين على الأريكة يراقبان ميغيل ولوانا يلعبان في الحديقة فوضع مارسيلو يده على بطنها وسأل
هل تظنين أن عينيها ستكون مثل عيني أم عينيك
ابتسمت آنا
آمل أن تشبه عيني عيناك كانتا ناقدتين أكثر من اللازم.
ضحك
كانتا كذلك لم تعودا.
التفتت إليه وسألته
هل أنت سعيد يا مارسيلو
نظر إليها ووضع يده على وجهها قائلا
آنا قضيت أربعين عاما من عمري أبحث عن شيء لم أكن أعرف ما هو. ثم دخلت أنت ذلك اليوم إلى الغرفة ورأيت المال وأريتني ما كنت أبحث عنه لم يكن القوة ولا السيطرة بل الرابطة الإنسانية والحب والعائلة.
نعم أنا سعيد سعادة لا أستطيع وصفها.
ابتسمت آنا وقبلت يده
وأنا أيضا.
وفي تلك الغرفة المليئة بحياة حقيقية وسط ضحكات الأطفال وأصوات اللعب وحضور العائلة كان مارسيلو وآنا يعيشان دليلا على أن القصص المستحيلة يمكن أن تحدث في أكثر اللحظات عادية بين أشخاص لم يتوقعوا يوما أن يجمعهم القدر.
فأحيانا كل ما نحتاجه هو شخص واحد يرانا حقا
ومجرد هذه النظرة قادرة على أن تغير كل شيء.
لقد كشف اختبار المال أكثر من مجرد أمانة كشف عن روحين كانتا بحاجة إلى أن تلتقيا
روح تعلم ما معنى النزاهة وأخرى تتعلم من جديد كيف تعيش.
ومعا بنيا شيئا لا يستطيع أي مال في العالم أن يشتريه
أسرة حقيقية قائمة على الاحترام والإعجاب المتبادل والمحبة الصادقة.
ولو سألت مارسيلو اليوم ما أفضل استثمار في حياتك
لابتسم وقال دون تردد
كانوا تلك ال 32500 ريالا التي تركتها فوق الخزانة
كلفتني غروري وتعجرفي ووحدتي لكنها منحتني آنا وميغيل ولوانا وأسرة كاملة وحياة حقيقية ولا يوجد ثمن في الدنيا يساوي هذا.

هل لامست هذه القصةقلبك
تخيل فقط كم يمكن للحظة صدق واحدة لا يراها أحد أن تغير مصير إنسانين بل عائلة كاملة.

الصفحة السابقة 1 2 3

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock