
تركوها لأنها حامل ببنت لكن ما كشفه الأطباء عن الولد المنتظر صعق الجميع
رعاية بيت يعيش حالة إنكار عائلة تفكر في الاسم والسمعة أكثر مما تفكر في الألم الحقيقي الذي على السرير الأبيض في غرفة المستشفى. لم تغادر مانيلا مباشرة لكنها لم تعد تلك المرأة التي تبتسم في الصور وتلتقط الفيديوهات وسط الزينة. تغير كل شيء.
عندما وصلني كل ذلك لم أشعر بأنني انتقمت أو انتصرت. لم أشعر بأي متعة في رؤية غيري يتألم. الألم لا يصبح جميلا لمجرد أنه أصاب من آذانا. كل ما شعرت به كان نوعا غريبا من السلام الداخلي. كأن الحياة تقول لي بهدوء
لم تكوني أنت المشكلة. ولم يكن نوع الطفل هو القضية أصلا. كانت المشكلة في الطريقة التي رأوك بها وفي الطريقة التي رأوا بها أنفسهم.
في ذلك اليوم أدركت أنني لست بحاجة إلى إثبات أي شيء لأحد. لا يلزمني أن أشرح لهم أن البنت ليست أقل من الولد ولا أن أقنعهم أن قيمة الأم لا تتعلق بنوع الجنين الذي تحمله. الحياة نفسها تكفلت بأن تضع أمامهم درسا لا ينسى من خلال طفل بريء لا ذنب له في شيء. وكان دوري أنا أن أتعلم درسي أيضا أن الكرامة لا تدخل في مساومات وأن قلبي لا يعرض في مزاد.
مرت الشهور وبدأت أعيد ترتيب نفسي. كنت امرأة جرحت لكنني لم أعد أرى نفسي مهزومة. كنت أما تحمل داخلها قوة جديدة لم أكن أعرفها من قبل قوة لم تظهر إلا حين اكتشفت أن لا أحد سيحمي ابنتي غيري ولا أحد سيصنع مستقبلها سواي. تعلمت كيف أضع حدودا كيف أقول لا بهدوء وكيف أختار من يدخل حياتي ومن يبقى خارجها دون ڠضب ودون صړاخ فقط بقناعة هادئة.
في إحدى الأمسيات الهادئة بينما كنت أضع طفلتي إليسا في سريرها الصغير كان لون السماء يميل إلى البرتقالي كأن الشمس ترسل آخر خيوطها بتؤدة لتودع النهار بلطف. الهواء ساكن والصوت الوحيد الذي كنت أسمعه هو أنفاسها الصغيرة المنتظمة. لامست خدها بطرف أصابعي وشعرت بحرارة جسدها الصغير تذيب شيئا من برودة الخۏف الذي سكنني طويلا.
همست لها وكأنني أكتب عهدا جديدا
حبيبتي قد لا أستطيع أن أعطيك حياة خالية من الصعوبات ولا أستطيع أن أعدك بطريق بلا خوف أو عثرات لكنني أستطيع وهذا وعد أن أمنحك حياة هادئة حياة لا يفضل فيها إنسان على آخر وحياة تحبين فيها لأنك أنت فقط أنت.
في تلك اللحظة أدركت أنني لا أخاطبها وحدها. كنت أخاطب نفسي أيضا. كنت أقول لنفسي إن الإنسان لا يحتاج إلى من يمنحه قيمة قيمته تولد معه وتكبر مع كل مواقف الشجاعة الصامتة التي يختار فيها نفسه دون أن يظلم أحدا ويختار السلام دون أن ينتقم ويختار أن يمضي قدما دون أن يحمل الحقد عبئا على كتفيه.
نظرت من النافذة فرأيت الشارع
هادئا والمنازل غارقة في سكون المساء. حتى الأشجار بدت وكأنها تميل بخفة مع نسمة لطيفة كأنها تهز رأسها موافقة
على قرارات صغيرة اتخذتها امرأة في شقة بسيطة في مدينة بعيدة. أحسست أن ذلك الهدوء الذي أعيشه هو أعظم هدية حصلت عليها بعد كل تلك المعارك الصامتة التي خضتها وحدي.
أغمضت عيني وأنا قريبة من ابنتي وشعرت بيقين عميق ينبت في صدري
أن الخير مهما بدا صامتا لا ينطفئ.
وأن الظلم مهما بدا قويا لا يدوم.
وأن الإنسان مهما انكسر يمكنه دائما أن يقف من جديد ما دام يختار ألا يفقد نفسه في الطريق.
لقد أدركت أخيرا أن الحرية ليست أن أترك بيتا أو أوقع ورقة انفصال فقط
الحرية الحقيقية كانت تلك اللحظة التي قررت فيها أن لا أسمح لأحد أن يحدد قيمتي مرة أخرى ولا أن يجعل سعادتي مرهونة برغباته ولا أن يضع حياتي في كفة ونوع الجنين في الكفة الأخرى.
ومع تنفس الليل ببطء وغفوة إليسا الهادئة شعرت أن الكون كله يقترب مني ويهمس
لقد اخترت الطريق الصحيح.
ومهما طال الطريق فلن تعودي أبدا إلى الوراء.





