
في ليلة زفافي اختبأتُ تحت السرير لأمازح زوجي، لكن الشخص الذي دخل كان
إن سألك أطفالك عن زواجي الأول قولي لهم الحقيقة حتى من أحلك الليالي يمكنك أن تخطا نحو النور. زولا.
طوت أبيني الرسالة وعيونها رطبة ليست من ألم بل من إغلاق.
بعد مرور أعوام طويلة وفي إحدى الرحلات العائلية التي خططوا لها منذ أشهر وقفت أبيني تتأمل الأفق الأزرق الممتد أمامها. كانت الشمس تغوص ببطء في قلب البحر ترسم خيطا ذهبيا على سطح الماء كأنه طريق نحو زمن آخر زمن كانت فيه فتاة خائڤة تختبئ تحت سرير مظلم بينما العالم فوقها ينقلب رأسا على عقب.
ركضت ابنتها الصغرى نحوها تحمل صدفة صغيرة وجدتها بين الرمال ثم سألتها ببراءة
ماما هل صحيح أنك اختبأت تحت سرير في يوم من الأيام
ضحكت أبيني بخفة تلك الضحكة التي دائما تحمل ظل قصة. انحنت نحو صغيرتها وربتت على شعرها ثم قالت
نعم يا صغيرتي اختبأت. وفي ذلك الاختباء أنقذت حياتي.
رفعت الطفلة حاجبيها بدهشة وهي لا تتخيل أن أمها القوية الشجاعة كانت قد خاڤت يوما
لكن لماذا يختبئ أحد تحت سرير هذا مكان نختبئ فيه ونحن أطفال!
تنهدت أبيني ليس حزنا بل امتنانا. نظرت إلى البحر الذي بدأ يغير لونه مع اختفاء الشمس تماما كما تغيرت حياتها بعد تلك الليلة.
ابتسمت وقالت
لأن القدر يا صغيرتي لا يأتي دائما من الباب. أحيانا يدخل من ثقب صغير وأحيانا يختبئ حيث لا تتوقعينه. حتى تحت سرير.
اقترب زوجها منها ذاك الرجل الذي جاء إلى حياتها مثل شروق جديد بعد ليل طويل. وضع يده حول خصرها وجذبها إليه برفق كأنه يذكرها بأنه هنا حاضر ثابت ومختلف عن كل ما مضى.
قبل جبينها وقال ضاحكا
ولأن ملاك الحارس أحيانا يرتدي فستان زفاف ممزقا ويختبئ تحت سرير من الماهوغاني منتظرا اللحظة التي يغير فيها مصيره.
ضحكت أبيني رغما عنها وتجدد الدفء في صدرها. كان صوته يعيد إليها إحساس الأمان الذي لم تعرفه إلا بعد سنوات من الألم والأسئلة والشفاء.
استندت برأسها على كتفه وعيناها تتابعان بناتها وهن يركضن على الرمل يتبادلن الصرخات والضحكات بينما الأمواج تداعب أقدامهن الصغيرة.
تذكرت تلك الليلة بكل تفاصيلها
ركبتاها ترتجفان قلبها يتسارع صوت أنفاس شخص آخر في الغرفة ثم الضوء الخاڤت المتسلل عبر شق الباب والقرار الذي غير حياتها. قرار أن تبقى صامتة وتنتظر اللحظة المناسبة لتفهم الحقيقة بدل الهرب من نصفها المظلم.
تذكرت الخېانة الصدمة الانكسار ثم القوة التي نبتت من قلب الخۏف.
تذكرت كيف أعادت بناء نفسها خطوة خطوة وكيف ظنت أنها لن تنجو.
لكنها نجت.
بل تجاوزت.
وبدأت من جديد.
رفعت رأسها نحو زوجها وأمسكت يده بقوة أكبر مما اعتاد. لم يكن ذلك مجرد امتنان بل إعلان بصوت صامت أنها لم تعد تلك الفتاة المختبئة بل امرأة انتصرت على كل شيء.
نظرت مرة أخرى نحو عائلتها نحو الفرح الذي تخيلت كثيرا أنها لن تعرفه.
ومع كل نفس كانت
تشعر بأن الماضي قد ابتعد بلا عودة تاركا خلفه درسا لا يزال يرافقها
لا تخش الحقيقة
لا تتجاهل الإشارات
ولا تسمح للخېانة أن تحدد مستقبلك.
عندما هبت نسمة بحر باردة حركت أطراف شعرها ابتسمت أبيني ومرت في ذهنها صورة ذلك السرير القديم الذي كان شاهدا على اڼهيار عالم وبداية عالم آخر.
همست لنفسها
لقد انتصرت بالكامل.
وبجمال.
وبقلب لا ينكسر بسهولة بعد اليوم.
ثم أدارت ظهرها للماضي وسارت نحو بناتها تاركة وراءها كل ما جرى في تلك الليلة التي بدأت في صمت خانق وغبار تحت سرير
ليلة زفافها.
وبين ضحكات الأطفال وصوت الموج أدركت الحقيقة التي كانت تبحث عنها لسنوات
إن أقسى اللحظات قد تكون هي نفسها التي تصنع أجمل النهايات.





