
في عام 1995 رحل تركها وحيدة مع خمسة أطفالٍ سود البشرة وبعد ثلاثين عامًا ظهرت الحقيقة
خبر جديد
الوثائق التي أثبتت براءة الأم انتشرت في كل مكان. لم تبق في يد الأبناء فقط بل نقلت إلى مجالس الرجال ومرت بين أيدي النساء وظهرت في هواتف الشباب. لم يعد في البلدة أحد يجهل الحقيقة. وأصبح الناس يتحدثون عن ثلاثين سنة من الظلم كأنهم كانوا شهودا عليها رغم أن
معظمهم كانوا شركاء
فيها. صار البعض يلوم نفسه والبعض الآخر يلوم المجتمع وآخرون يلقون اللوم على الصمت الذي دام طويلا.
أما الأم فكانت تراقب كل ذلك بهدوء. لم تكن تبحث عن اڼتقام ولا عن اعتذار رسمي ولا عن اعتراف صريح. كل ما أرادته حصلت عليه
أولادها يصدقونها والحقيقة ظهرت والچرح القديم بدأ يلتحم.
ذلك وحده كان يكفيها.
خلال الأيام التالية بدأت زيارات مفاجئة تصل إلى منزلها. نساء كن يحرضن ضدها فيما مضى جئن اليوم يحملن كلمات مرتبكة لا يعرفن كيف ينطقنها. إحداهن قالت بصوت خاڤت
سامحينا كنا نظن أننا نحمي أنفسنا.
ابتسمت الأم ابتسامة صغيرة وقالت بملامح ثابتة
سامحتكن منذ زمن لأني لم أرد أن أحمل أثقال أحد.
ثم جاءت امرأة أخرى كانت ذات يوم سببا مباشرا في انتشار الشائعات. كانت ترتجف وهي تتحدث وكأن الاعتراف الذي تقوله ېحرق لسانها
كنت مخطئة وكنت أكبر منا جميعا.
لم تجبها الأم. اكتفت برفع يدها في إيماءة بسيطة كأنها تقول انتهى الأمر. فالتسامح لم يكن اعترافا بضعف بل كان سيادة على الألم.
وفي
إحدى الأمسيات اجتمع الأبناء حولها مجددا لكن هذه المرة كان الجو مختلفا. كانوا يجلسون كأنهم مجلس حكماء لا مجلس أبناء. تحدث كل واحد منهم عما تغير داخله بعد انكشاف الحقيقة.
قال المعماري أشعر اليوم أن كل ما بنيته كان مقدمة لهذه اللحظة.
وقالت المحامية كنت أبحث عن العدالة لغيري ولم أفهم أن العدالة التي كنت أفتش عنها تخصك أنت.
أما المغني فرفع رأسه نحوها وقال أغنياتي كانت ناقصة واليوم فقط اكتملت.
والمستشار قال بابتسامته الواثقة كنت أتحدث عن القوة لكني لم أعرف معناها الحقيقي إلا الآن.
أما الفنان فقد قال وهو ينظر إلى يديها المتعبتين
كل لوحة رسمتها كانت محاولة لرسمك لكني أدرك الآن أن الألوان لا تكفي.
ابتسمت الأم برقة لا تشبه إلا الأمهات اللواتي انتصرن دون حرب. ثم قالت
يا أبنائي أنا لم أكن قوية وحدي. أنتم كنتم قوتي من دون أن تعرفوا.
في تلك الليلة هبت نسمة باردة عبر الفناء وحملت معها رائحة الياسمين الذي كانت تزرعه منذ سنوات. وقفت الأم تنظر إلى الشجرة التي رافقتها طويلا.
كانت صغيرة يوم زرعتها يوم رحل والدهم ولم يكن في البيت شيء يذكر بالحياة سوى هذه الغرسة الضعيفة. واليوم كانت الشجرة عملاقة تظلل نصف الفناء وفروعها ممتدة كأنها ترفع البيت كله بين يديها.
اقتربت منها ولمست جذعها برفق ثم قالت
هكذا يفعل الصبر ينمو ببطء لكنه يصبح شجرة لا
تكسر.
تجمد الأبناء للحظة وكأنهم رأوا انعكاس حكايتهم في





