قصص قصيرة

زار المليونير المدرسة فوجد ابنته تبكي وترفض دخول الصف وعندما عرف السبب تجمّد في مكانه.

كانت طفلة صغيرة تمشي نحو فصلها المدرسي وهي تمسك بطنها الذي يزداد ألمًا مع كل خطوة. وفجأة صدر صوت غريب أعقبه انبعاث رائحة كريهة، وتلطّخ فستانها الأبيض ببقعة محرجة. تجمع الطلاب حولها، ومعهم المعلّمة، بين فضولٍ وسخريةٍ مكتومة، إلى أن دخل والدها المليونير إلى الفصل، ليكتشف حقيقة مروّعة قلبت كل شيء.

في ممرّات مدرسة ويلو كريك الابتدائية تعالت أصوات الخطوات، وطرقعات الخزائن التي تُفتح وتُغلق، وضحكاتٌ تنتشر في الأرجاء. وفي نهاية أحد الصفوف كانت تقف إيميلي هارتمان ملتصقةً بخزانة معدنية، منحنية قليلًا، وذراعاها تطوّقان بطنها، فيما كانت شفتيها مطبقتين بقوة لتكتم آلام المغص الذي صاحبها منذ الليلة الماضية. لم يلتفت إليها أحد. بعض الطلاب مرّوا بالقرب منها وكادوا يصطدمون بها، لكنهم اكتفوا بنظرة عابرة قبل أن يكملوا حديثهم.
كان باب الصف 3B مفتوحًا، والضوء المتسلل من النوافذ يرسم خطوطًا لامعة على صفوف الكراسي. كانت المعلمة براندون تكتب ملاحظات على السبورة بصوت رتيب،

تذكّر الطلاب بالاختبار القادم في الرياضيات. ومع ذلك ظلّ الفصل صاخبًا؛ أحد الطلاب يفتح مقلمته، وآخر يتحدث عن لعبة إلكترونية لعبها مساء أمس، ولم يلحظ أحد دخول إيميلي التي كانت تسير ببطء شديد وكأن الحركة بحد ذاتها معركة.

منذ وفاة والدتها، كانت إيميلي تعيش مع والدها مايكل هارتمان، رجل الأعمال المعروف الذي تتصدر صوره المجلات المالية، ومع زوجته الجديدة كارين ذات المظهر البراق والحياة الصاخبة. في ذلك القصر الفخم كان كل شيء متوفرًا… إلا الطعام المُعدّ لإيميلي، أو الشعور بالأمان الذي تحتاجه، أو السؤال البسيط الذي تنتظره: كيف كان يومكِ؟ كارين تحب الحفلات والخمر، ومايكل يحب العمل والعقود. أما إيميلي فلم تكن تريد سوى وجود شخص إلى جانبها في المنزل، لكن ذلك لم يحدث يومًا.

اشتدّ الألم في بطنها فازدادت انحناءة ظهرها، وأصبح تنفّسها أثقل، وبدأ رأسها يدور. حاولت أن تبقى هادئة، أن تصل إلى مقعدها وتجلس بصمت كما تفعل دائمًا، لكن ما إن أُغلق باب الفصل خلفها حتى باغتها

ألم حاد جعل قدميها تخونانها. صدر صوت صغير جافّ تبعته رائحة كريهة انتشرت في الفصل. تجمّدت الطفلة مكانها، واتسعت عيناها رعبًا، وارتجفت شفتاها.

تحرّك أحد الكراسي، وصرخ صبي من آخر الصف: ما هذه الرائحة؟ انفجرت الضحكات، أولًا بخفوت، ثم ارتفعت لتغمر المكان بأكمله. التفت طلاب الصف، بعضهم يغطي أنفه، وبعضهم يشير إليها. همست فتاة: لقد بلّلت نفسها. وأطلق آخر: مقزز!

سقطت كل الأصوات الأخرى أمام ضحكاتهم. خفضت إيميلي رأسها، ووجنتاها احمرّتا بشدة. حاولت التراجع لكنها اصطدمت بمكتبٍ خلفها، فالتفتت إليها الأنظار أكثر فأكثر. توقفت المعلمة عن الكتابة ونظرت بامتعاض. سألت ببرود: ما الذي يجري؟ تقدمت نحو إيميلي بينما انشقّ الطلاب جانبًا ليكشفوا الطفلة المرتعشة في وسط الفوضى. كانت البقعة واضحة على فستانها، وكانت ترتجف بشدة.

قالت المعلمة بصوت بارد: إيميلي… ما الذي تفعلينه؟ لم تستطع الطفلة الكلام. انحنت المعلمة قليلًا لترفع طرف فستانها وكأنها تفحصه، متجاهلة أن الصف كله أصبح

محيطًا بها. رفع بعض الطلاب هواتفهم. صاح أحدهم: صوّروا! صوّروا! امتزجت الضحكات بالهمسات والغمزات.

تراجعت إيميلي خطوة، ممسكةً فستانها بارتباك شديد. قالت المعلمة ببرود: اذهبي إلى الممرضة فورًا. لكن صوتها ضاع وسط الضجيج. حاولت إيميلي الهرب، فاتجهت نحو السبورة واصطدمت بمكتب المعلمة، فسقطت الكتب والأقلام على الأرض. ارتجفت يداها وهي تحاول جمعها. أمرت المعلمة: اجلسوا جميعًا! لكن صوتها ضاع وسط الفوضى.

توجهت إيميلي نحو الباب، لكن ولدين اعترضا طريقها، وقال أحدهما ساخرًا: انظروا إلى القذرة! شعرت الطفلة بأن الكلمات طعنتها من الداخل. تشوشت رؤيتها، وبدأت أذناها تطنان. فقدت توازنها، وكادت تُسقط رفّ الأدوات لولا أن أمسك أحد الأولاد بمرفقها في اللحظة الأخيرة. تعلقت بحافة طاولة وهي ترتعش.

أمسكت المعلمة هاتف الجدار واتصلت بالمكتب: أحتاج موظفي الإدارة فورًا، الطفلة إيميلي هارتمان. في المكتب نظرت السكرتيرة لزميلها وقالت: يبدو أن حادثًا حصل مع إيميلي. ثم فتحت ملفها: اتصلوا

بوالدها فورًا.

1 2الصفحة التالية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock