
ترك 32,500 ريال فوق الخزانة ليمتحن أمانتها… ففعلت شيئًا لم يتوقّعه قلبه ولا كاميراته!
كان يكفي في رأيه أن يجد ذلك الثمن ليكشف العفن الكامن خلف أي قناع من أقنعة التصرف المحترم. وكان لديه أسلوب خاص لإثبات ذلك. مرة كل شهر وكلما وظف شخصا جديدا للعمل في القصر كان مارسيلو يترك مالا ظاهرا في أماكن استراتيجية ورقة من فئة مئة موضوعة منسية في الحمام ظرف يحتوي على ثلاثة آلاف ريال فوق المكتب خمسة آلاف في درج شبه مفتوح من خزانة السرير.
كان يضع الكاميرات يراقب ينتظر. في البداية يقاوم الناس. يومان أسبوع وأحيانا خمسة عشر يوما. لكن عاجلا أو آجلا كان المال يختفي فيبتسم مارسيلو بمرارة مؤكدا لنفسه ما كان يؤمن به سلفا الناس ليسوا طيبين إنما ينتظرون الفرصة المناسبة ليظهروا حقيقتهم. سكرتيرات عاملات مطبخ سائقون مديرات منزل كلهم فشلوا.
كلهم أثبتوا في نظره أنه كان على حق.
إلى أن جاءت تلك الخميس الماطرة في شهر أبريل.
اتصلت به وكالة التنظيف وأخبرته أن الموظفة المعتادة تغيبت وأنهم سيرسلون بديلة عنها. لم يسأل حتى عن اسمها ترك المفتاح عند حارس البوابة وغادر إلى اجتماع. لكن قبل أن يخرج كما اعتاد دائما جهز الاختبار 32500 ريال.
أوراق من فئة المئة نظيفة مصطفة بعناية فوق خزانة غرفة النوم الرئيسية. يستحيل تجاهلها يستحيل ألا ترى. لكن هذه المرة قرر مارسيلو أن يفعل شيئا مختلفا. ألغى الاجتماع عاد إلى البيت صعد الدرج بصمت دخل الغرفة وتموضع خلف الباب تاركا فتحة صغيرة للرؤية.
كان يريد أن يرى بعينيه. أن يشهد اللحظة الدقيقة التي تسقط فيها الأقنعة.
ثم دخلت هي.
كانت آنا بياتريس في الرابعة والثلاثين. ترتدي زيا أزرق داكنا بسيطا وحذاء رياضيا أبيض باهت الجوانب من كثرة الاستعمال وشعرا بنيا مربوطا بسرعة في ذيل حصان ويدين قويتين وكتفين منخفضين قليلا كمن يحمل أثقال الحياة منذ زمن طويل.
دخلت وهي تدفع عربة التنظيف ونظرت إلى الغرفة بذلك التعبير الذي يحمل ألف عادة من عادات من اعتاد أن يكون غير مرئي وبدأت العمل. راقب مارسيلو كل حركة طريقة ترتيبها للوسائد رقتها في مسح الغبار عن رف الكتب التي لم يقرأها قط دقتها في تنظيف المرآة دون أن تترك آثارا.
ثم استدارت آنا باتجاه خزانة الملابس توقفت ورأت المال.
شعر مارسيلو بأن قلبه يتسارع. هكذا كان الأمر دائما لحظة التردد هذه النظرة السريعة المتفحصة اليد التي تقترب ببطء تختبر تحسب. وقفت آنا خمسة ثوان كاملة وهي تنظر فحسب. حبس مارسيلو أنفاسه ثم التقطت آنا منفضة الغبار ونظفت جانب الخزانة ومرت حول النقود بحذر حتى لا تزيح الأوراق من مكانها ثم انتقلت إلى خزانة السرير.
قطب مارسيلو جبينه. هذا جديد. عادة ما كان الآخرون يعودون بعد لحظاتيتأكدون أنهم وحدهم ثم يمدون أيديهم. لكن آنا ببساطة واصلت التنظيف. أنهت تنظيف خزانة السرير مسحت الحواف السفلية للجدار رتبت غطاء السرير ثم عادت إلى الخزانة. نظرت إلى الأوراق مرة أخرى. شعر مارسيلو بالأدرينالين يتصاعد في عروقه.
الآن هكذا كان دائما. دائما يحدث الآن.
تنفست آنا بعمق وأخرجت هاتفها من جيب زيها.
شد مارسيلو قبضتيه. ها هي قال في نفسه. الدليل من جديد.
وجهت آنا الهاتف نحو المال والتقطت صورة. أحس مارسيلو ببرود يسري في عموده الفقري. كتبت آنا شيئا بسرعة أرسلت رسالة أعادت الهاتف إلى جيبها وغادرت الغرفة دون أن تلمس النقود ودون أن تلتفت خلفها ودون أي تردد.
بقي مارسيلو جامدا خلف الباب وقلبه يخفق بعشوائية وعقله يدور في دوامة من الارتباك والغضب وشيء آخر لم يجد له اسما.
ماذا فعلت
لمن أرسلت تلك الصورة
ولماذا لأول مرة منذ سنوات شعر مارسيلو سانتورو بالخوف من أن يعرف الإجابة
في تلك اللحظة كانت آنا بياتريس تستيقظ في الساعة 420 صباحا.
لم يكن المنبه بحاجة إلى أن يرن جسدها صار يعرف وحده. ست سنوات وهي على هذا الحال. الجسد يتعلم. نهضت بهدوء كي لا توقظ طفليها. كان ميغيل ذو السنوات السبع نائما وهو يعانق دميته القماشية القديمة بينما لوانا ذات الخمس سنوات تنام وفمها مفتوح قليلا وشعرها مبعثر على الوسادة كخطوط عشوائية في لوحة طفولية.
غطت آنا الطفلين باللحاف قبلت جبين كل منهما بصمت وغادرت الغرفة.
كان المنزل مساحته 45 مترا مربعا غرفتان والمطبخ ملتصقا بغرفة الجلوس وحماما بدش يقطر الماء طوال الليل وفناء صغيرا تعلق فيه الغسيل ويلعب فيه الأطفال وهم يتخيلون أنه حديقة ألعاب. لم يكن كثيرا لكنه كان بيتهم.
وآنا كانت تدفع الإيجار كاملا في موعده حتى لو تطلب الأمر تقسيم فاتورة الكهرباء على ثلاث دفعات وصنع المعجزات برزق محدود من الأرز والفاصولياء والبيض. شربت قهوتها السوداء بلا سكر أكلت شريحتين من الخبز المحمص وتركت الغداء جاهزا لوالدتها التي ستصل في السادسة والنصف صباحا للاعتناء بالأطفال.
كانت السيدة سليا في الثامنة والستين تعاني من التهاب المفاصل في ركبتها لكنها لم تكن تشتكي. كانت تقول هكذا هي الحياة كانت دائما هكذا.
ارتدت آنا زيها الأزرق الداكن وكان الوحيد لديها غسلته وكوته في الليلة السابقة. انتعلت الحذاء الرياضي الأبيض الذي يحتاج إلى استبدال منذ زمن لكنه ما زال يحتمل بضعة أشهر أخرى من التعب.
أخذت حقيبتها القديمة وصندوق طعامها الفارغ والمظلة التي لم تعد تفتح كما ينبغي.
الساعة 510. حان وقت الانطلاق.
كان الباص الأول مكتظا كما هو دائما. وقفت آنا وهي تمسكبالمقبض المعدني تتمايل مع المنعطفات غارقة في أفكارها. كانت تفكر في فاتورة السوق وفي لوازم المدرسة التي يحتاجها ميغيل وفي عيد ميلاد لوانا الذي سيأتي بعد ثلاثة أسابيع وفي أمنيتها أن تصنع لها على الأقل كعكة بسيطة بالبريغاديرو كي لا تشعر الطفلة أنها منسية.
نزلت عند المحطة انتظرت خمسة عشر دقيقة ثم ركبت وسيلة النقل الثانية أربعين دقيقة أخرى من الاهتزاز الوجوه نفسها المتعبة الصمت نفسه الثقيل لأناس استيقظوا مبكرا أكثر مما ينبغي وسيخلدون إلى النوم متأخرين أكثر مما يحتمل الجسد.
كانت لدى آنا خمس بيوت ثابتة تعمل فيها خلال الأسبوع
الاثنين في الشمال
الثلاثاء في مورومبي
الأربعاء في فيلا مادالينا
الخميس مخصص للطلبات الإضافية
والجمعة في بينهيروس.
في ذلك الخميس اتصلت بها الوكالة لتخبرها بحالة طارئة
استبدال في قصر في المنطقة الجنوبية والأجر 250 ريالا في اليوم.
لم تفكر آنا مرتين. وافقت.
فالمئتان والخمسون ريالا تعني قرابة الإيجار أو شراء طعام الشهر أو ببساطة البقاء.
نزلت عند موقف الباص سارت ثلاث كتل سكنية تحت سماء ملبدة بالغيوم توشك أن تمطر ووقفت أمام بوابة حديدية سوداء فيها جهاز اتصال وكاميرا وتعريف بالهوية.
استقبلها الحارس رجل في الستينات بأدب فاتر سلمها المفتاح وشرح بسرعة
المالك غير موجود المنزل كبير فلتبدأ من الطابق الثاني وسيرجع هو في آخر النهار.
صعدت آنا سلم الرخام الأبيض وهي تشعر بثقل الصمت.
كان ذلك البيت واسعا فارغا باردا كأن لا أحد يعيش فيه حقا بل يقيم فيه فحسب.
بدأت بغرفة الجناح الرئيسي فتحت النوافذ لتسمح للهواء بالدخول بدلت الملاءات مسحت الأثاث ونظفت الحمام بعناية من يعرف أن كل تفصيل له أهميته.
وهناك رأتها فوق الخزانة أوراق من فئة مئة ريال مصطفة مثالية.
توقفت آنا والمنفضة لا تزال في يدها وقلبها ينبض على نحو غريب.
كانت قد رأت من قبل أثرياء يتركون المال مبعثرا محفظة مفتوحة فوق السرير أوراقا مجعدة في جيب بنطال عملات متناثرة. لكن ليس هكذا ليس بهذه العناية.
هذا لم يكن إهمالا هذا كان مقصودا.
تنفست آنا بعمق ونظرت حولها. كانت وحدها الدار بأكملها ساكنة.
كان يمكنها أن تأخذ الأمر ليس صعبا. ورقة واحدة اثنتان من سيلحظ من يهتم
ميغيل بحاجة إلى حذاء جديد لوانا تحتاج إلى معطف. والإيجار دائما على الحافة.
لكن آنا تذكرت يد ميغيل وهو يمسك يدها قبل أيام ويسألها إن كانت أمه إنسانة صادقة لأن المعلمة تحدثت في المدرسة عن الصدق وأراد أن يعرف إن كانت أمه كذلك.
نظرت آنا إلى ابنها وقالت له نعم يا حبيبي أنا صادقة دائما.
ولو أنها مدت يدها الآن إلى تلك النقودحتى إن لم يعرف أحد فإنها هي ستعرف. وفي كل مرة يسألها ابنه من جديد ستتذكر وستحمل ذلك داخلها.
أخذت آنا هاتفها التقطت صورة للنقود وأرسلت رسالة لأختها
شوفي هذا الرجل ترك مبلغا كبيرا هنا مكشوفا.
سألتقط صورة وأخبره عندما أنتهي. هؤلاء الأغنياء أحيانا لا يدرون ماذا يتركون هكذا. تخيلي لو دخل شخص غير أمين إلى هنا.
أعادت الهاتف إلى جيبها أكملت التنظيف وغادرت الغرفة دون أن تلمس المال دون أن تنظر وراءها دون أي تردد لأن آنا بياتريس لم تكن غير مرئية
هي فقط تعلمت أن تكون شفافة في عالم لا يراها
لكن أحدهم في تلك اللحظة كان يراهاولم يكن يعرف ماذا يفعل بما رأى.
نزل مارسيلو الدرج ببطء محاولا أن يتحكم بأنفاسه. كانت يداه ترتجفان قليلا وعرق بارد يتصبب منه. هذه المشاعر كانت غريبة عليه مربكة.
لم يكن معتادا أن يشعر بشيء على الإطلاق.
دخل المكتب أغلق الباب شغل الحاسوب ودخل إلى نظام المراقبة. كانت هناك كاميرات في كل الغرف باستثناء الحمامات لم يكن مريضا بل حذرا. عاد إلى تسجيل غرفة النوم الكاميرا في الزاوية العليا اليسرى تقريب للصورة باتجاه الخزانة وأعاد مشاهدة المشهد كاملا.
آنا تدخل تتوقف تنظر للمال لحظة التردد الهاتف الصورة الرسالة.
كبر مارسيلو الصورة. كانت التكنولوجيا المتقدمة التي دفع ثمنها باهظا تسمح له بقراءة شاشة الهاتف بوضوح عال. كان يدرك أن ذلك يقترب من انتهاك الخصوصية لكنه في تلك اللحظة كان يحتاج أن يعرف.
قرأ الرسالة
شوفي هذا. الرجل ترك ثروة مكشوفة هنا.
سألتقط صورة وأخبره عندما أنتهي. هؤلاء الأغنياء أحيانا لا يلاحظون ما يتركونه هكذا. تخيلي لو دخل شخص غير أمين إلى هنا.
قرأها مرة أخرى. وثالثة. ورابعة.
أن أخبره عندما أنتهي.
تخيلي لو دخل شخص غير أمين إلى هنا.
أسند ظهره إلى كرسي الجلد ومسح وجهه بيديه وشعر بشيء غريب يصعد إلى حلقه.
لم تكن غضبا ولا صدمة كان شيئا أسوأ
الخجل.
لأن آنا لم تكن تختبر أمانة صاحب العمل بل كانت تحميه من سذاجته من تهاونه من العالم الذي تعرفه جيدا عالم يوجد فيه أشخاص غير أمناء وعالم هي لا ترى نفسها جزءا من تلك الفئة فيه.
نهض مارسيلو وتقدم نحو النافذة وحدق في الحديقة المرتبة التي لم تطأها قدماه قط وشعر بانقباض في صدره.
كم شخصا حكم عليه كم شخصا اختبر كم واحدا أدانه بسبب لحظة ضعف أو يأس أو حاجة
وكم شخصا مثل آنا لم يعطه فرصة أصلا ليثبت العكس
عاد إلى الحاسوب وبحث عن اسمها في بيانات الوكالة
آنا بياتريس أوليفيرا 34 عاما أم لطفلين عنوانها في إيتاكيرا تعمل كمنظفة بالمياومة منذ ست سنوات مراجعها ممتازة لا شكاوى لا غيابات دائمة الالتزاممؤدبة.
ضغط على معلومات إضافية فوجد أنها طلبت سلفتين خلال العام الماضي واحدة لدفع ثمن





