قصص قصيرة

حين أدخلت الخادمة طفلًا جائعًا إلى القصر لم تتوقع ما سيحدث لاحقًا

كان ذلك في إحدى تلك العشيات الرمادية التي تبدو فيها السماء مثقلة كأنها توشك على الانهيار.
كانت كلير بينيت خادمة في قصر هارينغتون المترامي الأطراف في بوسطن تكنس الدرج الرخامي عندما لاحظت جسما صغيرا يقف عند بوابة الحديد المشغول.
كان صبيا.
حافي القدمين ملوث الوجه بالتراب يضم ذراعيه حول صدره النحيل ويرتجف من برد الخريف.
عيناه الغائرتان كانتا مثبتتين على الباب الأمامي الكبير للقصر كما لو أنه ينتظر منه خلاصا ما.
انقبض قلب كلير.
رأت متسولين كثيرين في المدينة من قبل لكن هذا المشهد كان مختلفا.
الطفل لا يبدو أكبر من ستة أعوام.
تقدمت نحوه بحذر وسألت برفق
هل أنت تائه يا صغيري
هز رأسه نافيا وكانت شفتاه المزرقتان ترتجفان من شدة البرد.
نظرت كلير حولها.
كان من المفترض أن يكون مالك القصر ويليام هارينغتون في اجتماعاته حتى المساء.
أما كبير الخدم فكان خارج المنزل في مشاوير خاصة.
لن يلاحظ أحد لو أنها
عضت شفتيها قليلا ثم همست
تعال معي فقط للحظة.
تردد الصبي لحظة قصيرة ثم تبعها إلى الداخل.
كانت ملابسه بالكاد تسمى ثيابامجرد خرق لا تدفئ جسده.
قادته كلير مباشرة إلى المطبخ أجلسته على الطاولةالخشبية الصغيرة ووضعت أمامه طبقا دافئا من الحساء.
قالت بلطف الأمومة
كل يا عزيزي.
قبض الصبي على الملعقة بيدين مرتجفتين وامتلأت عيناه بالدموع وهو يلتهم الطعام سريعا كطفل لم يذق دفئا منذ زمن طويل.
راقبته كلير من عند الموقد تشد على الصليب الفضي حول عنقها.
وفجأةدوى صوت باب يصفق بقوة في أرجاء المنزل.
تجمدت كلير.
توقف قلبها عن الخفقان لحظة.
لقد عاد السيد هارينغتون مبكرا.
ارتفع صدى خطواته اللامعة فوق الأرضية الرخامية يقترب شيئا فشيئا.
ثم دخل المطبخ متوقعا أن يجده خاليافإذا به يرى كلير واقفة بلا حراك والطفل البائس يلتهم طعامه من وعاء بورسلان فاخر.
تجمد في مكانه من شدة المفاجأة.
كاد يوقع حقيبته.
تحول وجه كلير إلى الشحوب.
وقالت بصوت مرتعش
سيدي أنا أستطيع أن أشرح.
لكن ويليام رفع يده يطلب منها الصمت.
وانتقلت عيناه الحادتان بين الطفل المرتجف إلى الطبق ثم إلى الملعقة في يده الصغيرة.
مرت لحظة ثقيلة
ولم ينطق أحد بكلمة.
كان الهواء نفسه يبدو خائفا من الحركة.
ظنت كلير أنها انتهت.
ظنت أنها ستطرد فورا.
لكن صوت ويليام عندما شق الصمت أخيرا كان شيئا لم تتوقعه على الإطلاق
ما اسمك يا بني
ارتطمتالملعقة بالوعاء من الصدمة.
رفع الطفل رأسه بعينين واسعتين وصوت لا يكاد يسمع
إيلاي.
ومنذ تلك اللحظة لم تزح عينا ويليام نظرهما عن إيلاي.
كان الصبي قد تناول نصف الحساء فقط لكنه رفع رأسه الآن بارتباك وبصيص رجاء.
أما كلير فبقيت متسمرة لا تدري هل تتقدم أم تترك الأمر يجري على سجيته.
وأخيرا قال ويليام بصوت هادئ
أكمل طعامك يا إيلاي. لا ينبغي لأحد أن يجوع إن كان بالإمكان مساعدته.
أومأ الصبي بخجل ثم عاد إلى الطعام ببطء.
تنفست كلير ببطء.
بدأ الخوف الذي خيم على قلبها قبل لحظات يتلاشى لتحل مكانه راحة حذرة.
ويليام لم يوبخها.
بالعكسلقد قبل وجود هذا الطفل الغريب في بيته.
خلال الساعات التالية ظل ويليام قريبا يراقب إيلاي بمزيج غريب من الفضول والقلق.
وعندما أنهى الصبي طعامه سأله ويليام برفق
أين نمت البارحة
خفض إيلاي رأسه وقال بخجل
في الخارج خلف متجر. لم يكن لدي مكان آخر.
ابتلعت كلير ريقها.
كانت تنتظر غضبا أو اعتراضا صارما لكن ويليام فعل شيئا لم يخطر لها على بال
أومأ بصمت ثم وقف.
وقال ببساطة
سنتأكد أنك ستكون بخير هذه الليلة.
ساعدت كلير إيلاي على الدخول إلى غرفة ضيوف فارغة بينما طلب ويلياممن السائق أن يجلب بطانيات وألعابا وأشياء تريح الطفل.
وطلب من كلير أن تبقى معه قليلا حتى يهدأ إيلاي.
سأل ويليام بهدوء
هل كنت تعيش بمفردك
هز إيلاي رأسه.
أصابعه الصغيرة تعبث بطرف قميصه الرث.
ثم قال بصوت بالكاد يسمع
ليس لدي والدان.
شعرت كلير بغصة في حلقها.
لطالما رغبت في مساعدة أطفال كهذا لكن الموقف الآن لم يكن قصة عابرة
كان يحدث داخل القصر الذي تعمل فيه منذ سنوات.
مرت الأيام ثم الأسابيع.
وتواصل ويليام مع الجهات المختصة للبحث عن أي معلومات تخص الطفل.
لكن لم تظهر أي سجلاتلا عائلة ولا جهة تكفله ولا بيت رعاية.
صار إيلاي يمكث في القصر يقرأ مع ويليام يتعلم الحساب ويلعب في الحديقة لأول مرة دون خوف.
كلير كانت تراقب تغير ويليام أمامها.
الرجل القاسي الصارم
ذاك الذي لا يقترب منه أحد
بدأ يلين.
بدأ صوته يهدأ وملامحه تتغير.
وذات يوم مرت كلير بجوار غرفة المكتب فسمعته يقول
إيلاي هل تريد أن نرسم النجوم الليلة
رنت ضحكة إيلاي في الردهة فضحكت كلير أيضا.
كانت تعلم أن الطفل لم يعد ضيفا
بل صار جزءا من حياتهم.
وجاءت اللحظة التي اختبرت كل شيء.
اقترب إيلاي من ويليام وقال بخجل شديد
هل هل يمكنك أنتكون أبي
تجمد ويليام.
لم يتوقع أن يسمع شيئا كهذا
لكن شيئا عميقا بداخله تحرك.
جثا على ركبتيه أمام

1 2الصفحة التالية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock