
تزوجت جاري العجوز… فغيّر حياتي قبل أن يرحل
بياتريز بعينين تشتعلان شكا
وماذا تكسبين من كل هذا
نظرت نحو المطبخ حيث كان إرنستو يضع السكر في الكوبين بخطوات بطيئة كأنها طقس مقدس. كان يغني أغنية قديمة بصوت خافت متقطع ويهز رأسه مع الإيقاع.
قلت بهدوء
أكسب صديقا… شخصا يقلق إن تأخرت في العودة. أكسب يخنة الأحد وضحكة في الصباح وشريكا في أفلام نتفليكس الرديئة. أليس هذا كافيا
غادروا أخيرا ووراءهم صمت ثقيل.
دخل إرنستو إلى الصالة وهو يحمل كوبين. جلس مقابلي وتنهد كأن جبلا انزاح عن صدره.
أولادي يظنون أنني فقدت عقلي.
ابتسمت وأنا أرفع الكوب أولادك أغبياء.
رفع حاجبيه هذا صحيح أيضا.
منذ ذلك اليوم صارت حياتنا أشبه بفصل جديد من رواية لا تنتهي.
تعود الجيران رؤيتنا معا في الحديقة الصغيرة هو يحمل عصاه وأنا أجر سلتي من السوق. بعضهم يحيينا بابتسامة وبعضهم يتهامس من بعيد.
لكننا لم نهتم.
كنا نضحك كثيرا. أحيانا من لا شيء.
كان إرنستو يحب أن يخبرني نكاتا قديمة من زمن كان الناس يضحكون فيه على أشياء بسيطة.
أتدرين يا ماريانا في شبابي كانت السخرية تعتبر ذكاء لا قسوة.
كنت أرد ضاحكة وفي أيامي تعتبر تغريدة!
في المساء كنا نلعب الشطرنج. لم أفز عليه مرة واحدة وكان كلما يشيح بابتسامة المنتصر يقول
السر في الحياة الزوجية هو أن تدعي زوجك يربح حتى ينام مرتاحا!
كنت أرد عليه وأنا السر في أن أجعلك تربح دون أن تشعر بالذنب.
في أحد الأيام صحوت على صوت ضحكه في المطبخ. دخلت فوجدته يقرأ رسالة على هاتفه القديم بنغمة طفولية.
من أوسفالدو! قال بحماس.
يبدو أنه قرر أن يسامحني. كتب أبي أتمنى أن تكون بخير. أرسل لي صورتك مع زوجتك.
ابتسمت وأنا أعد له الشاي هل سترسل له واحدة
نعم ولكن أريد أن نبدو رسميين كأننا في حفل دبلوماسي.
وقفنا أمام المرآة التقطنا صورة بابتسامة صغيرة جدا تلك التي تشبه تصالح القلبين مع فكرة غريبة أن الحنان لا عمر له.
ومع مرور الشهور بدأ إرنستو يضعف قليلا جسده لم يعد يطاوعه كما في السابق.
كنت أرى التعب في ملامحه لكنه كان يخفيه بعباراته المفضلة
أنا لست عجوزا فقط جهازي في وضع التوفير!
كنت أضحك لكن قلبي كان يضيق كل مرة.
ذات مساء حين عاد من السوق محملا بأكياس صغيرةجلس على الأريكة بصمت.
قال لي بصوت منخفض أتعلمين يا ماريانا في البداية كنت أظن أنك فعلت هذا بدافع الشفقة. لكنني أدركت أنك منحتني أكثر مما توقعت. منحتني حياة.
وضعت يدي على يده. كانت باردة قليلا لكنها مليئة بالسكينة.
وأنت منحتني معنى. لم أكن أظن أني سأتعلم الحب في عمر متأخر لكن يبدو أن بعض الدروس تأتي متأخرة كي تبقى للأبد.
مرت الأيام وتحول بيتنا الصغير إلى عالم من الطقوس.
كل صباح يصر على تشغيل الراديو القديم يقول إن صوت المذيع يذكره بأن العالم لم ينته بعد.
وفي الليل كان يقرأ لي بصوته المبحوح من كتابه المفضل ثم يغط في النوم قبل أن ينهي الصفحة.
كنت أطفئ النور بهدوء وأتأمله.
ذلك الرجل الذي خاض الحياة بطولها وما زال يحتفظ بعينين فيهما حيلة طفل.
ثم جاء الشتاء.
بدأ يسعل أكثر وصار ينام طويلا.
وفي أحد الصباحات لم أسمع صوت الراديو.
دخلت غرفته فوجدته جالسا على الكرسي قرب النافذة مغطى ببطانية صوفية وعلى وجهه ابتسامة صغيرة.
في يده كوب قهوة بارد.
لم يكن نائما فقط.
كان قد غادر بهدوء.
كأن الحياة التي عاشهاكانت كافية.
جلست بجواره طويلا. لم أبك فورا. كنت أبتسم رغم كل شيء.
تذكرت كلماته ما أسوأ ما في الشيخوخة يا ماريانا حين يتوقف الناس عن رؤيتك كإنسان.
أردت أن أقول له إنني رأيته حقا رأيته حتى النهاية.
في الجنازة جاء أوسفالدو وبياتريز. كانا مذهولين من البساطة التي ودع بها العالم.
سألني أوسفالدو هل تحبينه فعلا
نظرت إليه وقلت الحب لا يحتاج عمرا فقط فرصة. وقد منحني والدك تلك الفرصة.
بعد أسبوعين جاء ساعي البريد يحمل ظرفا عليه اسمي.
كان بخط يده. رسالة كتبها قبل أن يرحل.
فتحته بارتجاف وقرأت
ماريانا
إذا كنت تقرئين هذا فاعلمي أنني راض. لم يكن زواجنا تمردا على أبنائي بل على الوحدة.
لا تتركي أحدا يخبرك أن العطاء بلا حب لا قيمة له.
الحب كان هنا في قهوتك السيئة وفي سخريتي وفي يخنة الأحد.
أحببتك بصدق حتى لو كان زواجنا على الورق فقط.
زوجك القديم إرنستو.
لم أستطع إلا أن أبتسم. وضعت الرسالة بجانب صورته
وأعددت فنجان قهوتي المعتاد السيئة كعادتها وجلست أمام النافذة نفسها.
كانت الشمس تميل نحو الغروب تلون السماء بلونالعسل كأنها تقول لي
بعض القصص تبدأ حين يظن الجميع أنها انتهت.





