قصص قصيرة

كأس ماء غيّر حياة طفلة… وكشف سرًّا ظلّ مخفيًا لسنوات

لم تنطق ابنة المليونير يوما بكلمة واحدة لكن حين قدمت لها فتاة فقيرة كأس ماء حدث ما يشبه المعجزة.
كلمتها الأولى زلزلت الجميع الماء الذي غير كل شيء.
طفلة بلا صوت وأخرى بلا منزل ولقاء واحد كشف حقيقة لم يتخيلها أحد.
لكن ما جرى بعدها تجاوز كل التوقعات.
كانت الشمس تضرب بقسوة شوارع بولانكو أحد أرقى أحياء مكسيكو سيتي.
كان دييغو ميندوزا ذو الخمسة والثلاثين عاما يمشي بخطوات واثقة نحو سيارته ال BMW السوداء وهو يعدل ربطة عنقه المصنوعة من الحرير الإيطالي.
كانت بدلته المفصلة خصيصا تلمع تحت ضوء الظهيرة بينما ينظر إلى ساعة رولكس سابمارينر في معصمه.
الوقت 230 ظهراتماما كما خطط لاصطحاب إيزابيلا.
وبجانبه كظل صغير صامت كانت تمشي ابنته ذات الست سنوات.
كانت إيزابيلا ميندوزا طفلة جميلة ذات عينين بنيتين واسعتين تحملان حزنا لا يناسب عمرها.
فستانها الأبيض النقي وحذاؤها اللامع كانا يضيفان إلى مظهرها الملائكي لكن الصمت الذي يحيط بها كان ثقيلا.
منذ ولادتهاإيزابيلا لم تنطق بكلمة واحدة.
قال دييغو بلطف وهو يمد يده نحوها
هيا يا أميرتي.
رفعت إيزابيلا نظرها إليه ثم أمسكت يده دون أن تصدر صوتا واحدا.
كان هذا جزءا من روتينهما اليومي
الخروج من عيادة طبيب الأعصاب
حيث يتلقيان كل شهر الإجابة ذاتها
وهي إجابة تكسر قلب دييغو كل مرة.
حاول أفضل أطباء المكسيك علاجها.
وجاء أطباء من هيوستن ومن إسبانيا بل إن جراحا عالميا من سويسرا حضر خصيصا لرؤيتها.
وكلهم توصلوا إلى النتيجة نفسها
جسد إيزابيلا سليم تماما.
لا تلف في الأعصاب.
لا إصابة في الدماغ.
لا صدمة جسدية.
قال الطبيب راميريز ذلك المساء وهو يغلق ملفها الطبي
الأمر نفسي سيد ميندوزا.
ابنتك تمتلك القدرة على الكلام
لكن شيئا عميقا بداخلها يمنعها.
كان دييغو يشد على المقود بقوة وهو يقود باتجاه منزله.
قصره في لوماس دي تشابولتيبيك كان ينتظر وصوله
حدائق مشذبة بعناية
وخدم لا يخطئون
ومظاهر ثراء لا تنتهي
لكن كل هذا الرفاه لم يمنحه ما يتمناه أكثر من أي شيء في الحياة
سماع صوت ابنته ولو كلمة واحدة.
كانت إيزابيلا تجلس بصمت في المقعد الخلفي تنظر إلى المدينة من خلال الزجاج المظلل.
كانت يداها الصغيرتان تعبثان بطرف فستانهاعادة تظهر فقط عندما تكون خائفة أو قلقة.
وعند تقاطع ريفورما لاحظ دييغو شيئا غير معتاد.
كانت هناك فتاة صغيرة في الثامنة تقريبا تقترب من السيارات لتبيع أكياسا صغيرة من الماء البارد.
كانت نحيلة ذات شعر داكن مربوط بضفيرتين فوضويتين.
كانت نظيفة لكنها ترتدي ملابس مهترئة تدل على طفولة عرفت الفقر أكثر مما عرفت الطمأنينة.
ماء بارد يا سيدي! صاحت الفتاة وابتسامتها تلمع رغم الظروف القاسية. بخمسة بيزو فقط.
في العادة لم يكن دييغو يتوقف في مثل هذه المواقف
لكن شيئا في إصرار تلك الفتاة الصغيرة حرك شيئا في داخله. أنزل زجاج السيارة ولوح لها بيده.
ركضت الفتاة نحوه مبتسمة على اتساع وجهها
مرحبا يا سيدي هل تحب أن تأخذ بعض الماء البارد الجو حار جدا اليوم أليس كذلك
قال دييغو
أريد كيسين.
وأخرج ورقة نقدية من فئة مئة بيزو من محفظته.
اتسعت عينا الفتاة دهشة
لكن يا سيدي لا أملك فكة لمبلغ كبير كهذا.
ابتسم دييغو وقال
لا أريد منك باقيا. ما اسمك أيتها الصغيرة
إسبرنثا يا سيدي. إسبرنثا مورالس في خدمتك.
في تلك اللحظة اعتدلت إيزابيلا في جلستها في المقعد الخلفي.
كان في صوت إسبرنثا الدافئ الصادق ما جذب انتباهها. اقتربت من النافذة وأخذت تحدق في الفتاة الواقفة عند الشارع.
لاحظت إسبرنثا تلك العينين الكبيرتين فابتسمت لها برقة
مرحبا أيتها الأميرة الصغيرة هل تريدين أنت أيضا بعض الماء البارد
هزت إيزابيلا رأسها بخفة وهو ما أدهش دييغو فقد كانت نادرا ما تتفاعل مع الغرباء.
قالت إسبرنثا وهي تقترب من النافذة أكثر
تعلمين هذا الماء ليس عاديا. جدتي تقول إنه عندما يكون المرء عطشان ويقدم له أحدهم الماء بمحبة تحدث أشياء جميلة.
أخذت أحد أكياس الماء فتحته بحذر وقدمته لإيزابيلا بيديها الصغيرتين المتشققتين لكن الكريمتين
خذي يا زهرتي الصغيرة الجو حار جدا اليوم.
مدت إيزابيلا يديها وأمسكت بالكيس.
لبرهة قصيرة تبادلتا النظر في صمت.
كان هناك شيء لطيف في تلك اللحظة رابط غير مرئي تخطى كل الفوارق الطبقية بينهما.
راحت إيزابيلا تشرب ببطء وعيناها مثبتتان على إسبرنثا كأنها ترى فيها شيئا لا يراه سواها.
سألتها إسبرنثا باهتمام صادق
هل أعجبك الماء يا أميرتي
هزت إيزابيلا رأسها مرة أخرى لكن هذه المرة حدث شيء لا يصدق.
تحركت شفتاها قليلا كأنها تحاول أن تنطق.
راقب دييغو المشهد من مرآة السيارة الأمامية وقد حبس أنفاسه.
لم يسبق له طوال تلك السنوات أن رأى ابنته تحاول التكلم بهذه الطريقة.
همست إسبرنثا وهي تقترب أكثر من النافذة
هل تحبين أن أخبرك بسر صغير
أنا أيضا كنت خائفة من الكلام عندما كنت صغيرة لكن جدتي علمتني أن صوتنا هدية والهدية خلقت لتشارك.
كانت إيزابيلا تنظر إليها بنظرات مليئة بالترقب وكأن كل كلمة أمل تنطق بها إسبرنثا كانت تهدم جدارا خفيا في قلبها.
انقلبت إشارة المرور إلى الأخضر وبدأت السيارات خلف دييغو تطلق أبواقها. كان يعلم أنه يجب أن يتحرك لكن ما كان يحدث داخل سيارته لم يكن شيئا عاديا.
شكرا على الماء يا إسبرنثا قال دييغو. هل تأتين إلى هنا كل يوم
أجابته
نعم يا سيدي. كل يوم بعد المدرسة أساعد أمي في بيع الماء. علينا أن ندخر للإيجار.
قال دييغو دون أن يعرف حتى لماذا نطق بهذا
إذن نراك قريبا.
وأثناء انطلاق السيارة ظلت إيزابيلا تلتفت إلى الخلف تراقب إسبرنثا حتىاختفت وسط الزحام.
في طريق العودة إلى المنزل لاحظ دييغو أن ابنته تبدو مختلفة أكثر انتباها أكثر حضورا كأن شيئا ما استيقظ داخلها.
في ذلك المساء أثناء العشاء في غرفة الطعام الأنيقة بقصرهم كان دييغو يراقب إيزابيلا وهي تعبث بطبقها في صمت.
كانت كارمن المربية التي اعتنت بإيزابيلا منذ كانت رضيعة تقدم الحلوى كعادتها بكفاءة هادئة.
سألت كارمن
هل لاحظت شيئا مختلفا في إيزابيلا اليوم يا سيد دييغو
كانت المرأة الكبيرة في السن التي قضت أكثر من عشرين عاما في خدمة عائلة ميندوزا تنظر إلى الطفلة بعين خبيرة.
قالت
الآن بعدما ذكرت الأمر نعم. تبدو وكأنها استيقظت من شيء ما. عيناها تلمعان بطريقة مختلفة.
أومأ دييغو بتفكير.
لم يستطع طرد صورة لقاء ابنته بإسبرنثا من عقله. كان في تلك الفتاة الصغيرة نور خاص شعاع لمس روح إيزابيلا بطريقة لم يستطع أي طبيب أن يصل إليها.
بعد أن نامت إيزابيلا جلس دييغو في مكتبه يتصفح ملفات الفحوصات الطبية المتراكمة على مكتبه.
صور أشعة مقطعية تخطيطات دماغ اختبارات نفسية
كلها تقول الشيء نفسه
ابنته سليمة من الناحية الجسدية.
لكن صمتها ظل لغزا لا ينكسر.
اهتز هاتفه برسالة من زوجته فيكتوريا التي كانت في أوروبا في رحلة عمل
كيف حال إيزابيلا اليوم هل هناك أي تقدم مع العلاج الجديد
تردد دييغو قبل الرد.
فقد كانت فيكتوريا دائما أكثر عجلة وأكثر شدة مع حالة إيزابيلا تدفع دائما نحو طرق علاجية أكثر قسوة وتجريبية
بينما كان هو يفضل طريقا ألين أكثر حنانا.
أخيرا كتب
كل شيء هادئ. سأتصل بك غدا.
تلك الليلة لم ينم دييغو بسهولة.
في أحلامه رأى إيزابيلا تركض نحو إسبرنثا
ولأول مرة منذ ست سنوات سمع ضحكة ابنته بوضوح.
في اليوم التالي كان الحر أشد من اليوم السابق.
وخلال ساعات الليل كان دييغو قد اتخذ قرارا
سيعود إلى نفس الزاوية حيث التقى إسبرنثا.
لم يكن يعرف ما الذي يتوقعه لكن ردة فعل إيزابيلا في اليوم السابق لم تكن شيئا يمكن تجاهله.
قال لها أثناء الإفطار
ما رأيك يا أميرتي أن نذهب ونرى فتاة الماء اليوم
لدهشته هزت إيزابيلا رأسها بحماس واضح أكثر حماسة مما رآه منها منذ أشهر.
في الساعة الثانية والنصف تماما كما في اليوم السابق قاد دييغو سيارته إلى زاوية شارع ريفورما.
كانت إيزابيلا تجلس على حافة المقعد تشد نظرها عبر النافذة بقلق وترقب.
وهناك كانت إسبرنثا بعربتها الصغيرة المليئة بأكياس الماء تنادي بسعادة تحت شمس لا ترحم.
ولما رأت سيارة ال السوداء تقترب أضاء وجهها بابتسامة واسعة.
السيد دييغو! والأميرة إيزابيلا! صاحت وهي تركض نحو السيارة.
كم أنا سعيدة لأنكما عدتما!
كانت إيزابيلا تكاد تنتزع مقبض النافذة لتفتحها أسرع.
استغرب دييغو من شدة حماسها.
قال دييغو
مرحبا يا إسبرنثا. كيف عرفت أسماءنا
ضحكتبخفة
بالأمس قلت لي إن اسمك دييغو وكنت تناديها بالأميرة لكن من وجهها واضح أنها إيزابيلا. لديها ملامح إيزابيلا حقيقية.
ابتسم دييغو ابتسامة صادقة لأول مرة منذ أسابيع.
قال لها
هل تشعرين بالجوع يا إسبرنثا أتودين أن تتناولي معنا شيئا
تلألأت عيناها ثم خفت لمعانهما بسرعة
يا إلهي لا أستطيع أن أترك مكاني. إن لم أبع الماء ستقلق أمي.
سألها دييغو
كم تبيعين عادة في فترة بعد الظهر
حوالي مئتي بيزو إن كنت محظوظة.
أخرج دييغو من محفظته ورقة من فئة خمسمئة بيزو وقدمها لها
اعتبري أنك بعتي كل شيء اليوم. هيا بنا نتناول الطعام.
وضعت إسبرنثا المال بعناية في حقيبتها المدرسية الصغيرة ثم صعدت إلى السيارة.
اقتربت منها إيزابيلا فورا وهو تصرف لم يعتده دييغو منها فهي عادة تتجنب الاقتراب من الناس.
سألهم دييغو
إلى أين نذهب
صرخت إسبرنثا بحماس
إلى تاكو دونيا ماريا! طعامها لذيذ ورخيص. المطعم قريب من السوق.
تردد دييغو للحظة.
فهو معتاد على أرقى المطاعم ذات الخمس نجوم.
لكن عندما رأى البريق في عيني إيزابيلا قرر أن يترك نفسه للتيار.
كان كشك تاكو دونيا ماريا تماما كما تخيله دييغو
طاولات بلاستيكية كراس غير متطابقة ورائحة carne asada الشهية تختلط بصوت صفيح الشواية الحار.
كان عالما مختلفا تماما عن حياته لكن فيه دفء وصدق لا تجده في الفنادق الفاخرة.
صرخت امرأة ممتلئة تقف خلف الصاج
إسبرنثا! لم تعودي تبيعين الماء فقط إذن!
ضحكت إسبرنثا
يا دونيا ماريا أعرفك على أصدقائي دييغو وإيزابيلا. لقد دعونا لنأكل التاكو.
نظرت دونيا ماريا إلى بدلة دييغو الفاخرة ثم إلى فستان إيزابيلا المصمم.
ظهر في عينيها مزيج من الفهم والفضول.
قالت بابتسامة حارة
مرحبا بكم في مشروعي المتواضع. ماذا تحبون أن تأكلوا
أثناء انتظار الطعام بدأت إسبرنثا تحكي لإيزابيلا عن حياتها
عن مدرستها معلميها وجدتها التي تصنع أفضل تاماليس في الدنيا.
كانت إيزابيلا تنصت لكل كلمة بانتباه لم يره دييغو من قبل.
قالت إسبرنثا وهي تمضغ التاكو
تعلمين يا إيزابيلا جدتي دائما تقول إنه عندما نلتقي شخصا مميزا يخبرنا قلبنا بذلك.
ثم وضعت يدها على صدرها
وعندما رأيتك بالأمس قلبي قال لي إنك مميزة.
اتسعت عينا إيزابيلا.
وبحركة خجولة وضعت يدها الصغيرة على صدرها هي أيضا تقلد إسبرنثا.
سألتها إسبرنثا بلطف
هل قلبك أنت أيضا يخبرك بأشياء
هزت إيزابيلا رأسها ببطء وهذه المرة ولدهشة دييغو بدأت شفتاها تتحركان مجددا كأن الكلمات على وشك أن تخرج.
قالت إسبرنثا وهي تمسك بيدها
لا بأس إن لم ترغبي في الكلام الآن. أحيانا لا تكون الكلمات مهمة بقدر ما نشعر به لكن عندما تكونين مستعدة سأكون هنا لأسمعك.
في تلك اللحظة شدت إيزابيلا على يد إسبرنثا وبجهد واضح همست بشيء خافت للغاية بالكاد سمع.
فجأة سقط التاكو من يد دييغو.
تجمدت دونيا ماريا وملعقتها في الهواء.
وبدا أن ضجيج السوق كله توقف لحظة.
همست إسبرنثا والدموع تلمع في عينيها
لقد نطقت باسمي.
هزت إيزابيلا رأسها

1 2 3 4الصفحة التالية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock