
زهور الجمعة… والسر الذي غيّر قلبي إلى الأبد
للزيارة للهدوء للعناية المشتركة.
كنت أجلس قرب إيريكا أسمح لها أن تمشط شعري أو تكرر نفس السؤال للمرة العاشرة دون أن أشعر بالضيق.
وكان دان يقرأ ويسقي النباتات ويشعرها بالأمان الذي تحتاجه.
ومع الوقت
أصبحت الزهور التي يعود بها ليست مجرد باقات بل رسائل صغيرة من حياتنا الجديدة.
أحيانا أجد نفسي أقف عند باب المطبخ بصمت أراقبه وهو ينحني قليلا فوق الحوض يملأ المزهرية بالماء البارد ثم يلتقط الباقة برفق لم أتخيله يوما منه. يمرر أصابعه بين السيقان يزيل الأوراق الذابلة يعيد ترتيب الأزهار كأنها شيء ثمين يحتاج إلى يد تعرف معنى الصبر. أراه يرفع إحدى الزهور نحو الضوء ليتأكد من سلامتها يبتسم بارتياح صغير ثم يعيدها إلى مكانها.
في تلك اللحظات لا يكون دان زوجي فقط
بل يكون رجلا آخر رجلا كشفته لنا التجربة رجل ضميره أكبر من كل مخاۏفي وأرق من كل ظنوني.
أحدق في وجهه طويلا الوجه الذي ظننته أصبح مألوفا للغاية لكني اليوم أرى فيه ما لم أكن أراه من قبل.
أرى الخطوط الصغيرة التي حفرها القلق التعب الذي يحاول إخفاءه عني الحزن الذي كان يحمله وحده كي لا يثقل علي.
أرى كل سؤال لم يجبني عنه وكل جملة ابتلعها كي لا يجرحني وكل مرة فضل الصمت على التفسير لأنه كان يعتقد ولو خطأ أنه يحميني من القلق.
أرى في وجهه كل ما لم يقله
كل ما خاف أن يخبرني به
كل ما ظن أنه سيهز عالمي إن عرفته فاختار أن يحمله وحده بصبر رجل يحاول أن يكون جدارا لا يتصدع.
وحين ينتهي من ترتيب الزهور حين يرفع المزهرية ويضعها على الطاولة ثم يتراجع خطوة ليتأكد أنها في المكان المناسب يحدث شيء داخلي شيء صغير لكنه قوي.
أفهم فجأة أن الحب ليس ما نظنه لسنوات.
ليس تلك اللحظات السريعة التي تذكر وتنسى ولا الهدايا التي تعمينا عن التفاصيل ولا الوردة التي نضعها في مزهرية لنلتقط لها صورة جميلة.
ليس الغيرة التي نظنها دليلا على الاهتمام ولا الوعود الكبيرة التي ننتظر أن تتحقق.
الحب الحقيقي
هو ما يفعله الشخص حين لا يراه أحد.
حين يكون وحده أمام ضميره لا أمام العالم.
حين يختار أن يتحمل عبئا لا يطالبه أحد به.
حين يبقى وفيا لفكرة الخير حتى لو ظن الناس حوله أنه مخطئ أو غامض أو يخفي شيئا سيئا.
الحب هو الامتحان الصامت الذي لا يعرف عنه أحد والذي لا يصفق له أحد.
وأدركت الحقيقة الأكثر قسۏة وجمالا في اللحظة نفسها
أنني حين رأيته يدخل ذلك البيت شعرت كأن شيئا انكسر داخلي كأن حياتي كلها أصبحت كومة رماد.
ظننت أنني فقدته
ظننت أنني رأيت في أوضح صورها
لكن الحقيقة
أنا لم أفقده في ذلك اليوم.
بل وجدته بشكل أعمق أنقى وأكثر صدقا مما عرفته في أي يوم مضى.
وجدت الرجل الذي يستطيع أن يختار الخير حتى وهو خائڤ.
الرجل الذي
يظل وفيا حتى حين يسيء الناس فهمه.
الرجل الذي لا ينتظر كلمة شكر ولا اعترافا ولا حتى قبولا لكنه يفعل ما يراه صوابا.
في ذلك المطبخ أمام تلك المزهرية البسيطة
وجدت زوجي الذي أحببته منذ سنوات
ووجدت معه نسخة جديدة منه نسخة أجمل وأقوى وأقرب إلى قلبي من أي وقت مضى.





