
قدّمها كـ موظفة صغيرة لكن صديق والده كشف هويتها الحقيقية أمام الجميع
بعد شهور بعينين لا تشبهان عيني الفتاة التي غادرت
أسند ظهره إلى الكرسي البلاستيكي وأطلق زفرة طويلة بدت وكأنها تحمل ثقل كل تلك السنوات.
لم يضحك.
لم يمزح.
لم يقل جملة ساخرة ليخفف التوتر كما اعتاد أن يفعل دائما.
فقط قال بجملة بسيطة عاړية تماما من التجميل
كنت أظن أنني أعرفك.
أجبت بهدوء
كنت تعرف الصورة التي بنيتها لي لا أنا.
مرت لحظات بدت أطول من الوقت نفسه.
ثم فجأة نهض راينز من مكانه وقف مستقيما مرة أخرى ثم قال موجها الحديث لأبي
سيدي اسمح لي أن أقول شيئا.
أومأ أبي دون أن يرفع عينيه.
لو كنت أنا مكانك لوقفت الآن أمام هذه المرأة وقلت لها شكرا قبل أي شيء آخر.
رفع أبي رأسه نحوه ببطء.
شكرا لأنها عاشت كل هذه السنوات في الظل وخدمت بلدها في أماكن لم نجرؤ حتى على زيارتها ثم جاءت وجلست هنا بيننا دون أن تلقي أعباءها فوق رؤوسنا.
ثم أشار إلى الوشم على ساعدي
أعرف أصحاب هذا الرقم. بعضهم لم يعد موجودا بيننا. وبعضهم دفنوا أجزاء منهم في أماكن بعيدة. وجودها واقفة هنا بيننا نعمة لا تستهان بها.
سادت لحظة من الاحترام الغريب.
احترام لا يولده المال ولا المنصب ولا القوة الظاهرة بل شيء آخر غير مرئي يتكون من ليال لا تنتهي وقرارات قاسېة وأوامر تحمل وزن الأرواح.
أدار أبي رأسه نحوي مجددا.
كان في عينيه سؤال لم ينطق به
هل فاتني كل هذا
وقبل أن أقول شيئا قال بصوت مبحوح
أنا آسف.
كان يمكنه أن يقولها لي بخفة من قبل.
أن يعتذر عن شيء بسيط عن سوء فهم عابر عن مزحة زائدة.
لكنه هذه المرة قالها وكأنه يعتذر عن حياة كاملة لم ير فيها ابنته كما يجب.
آسف لأني جعلتك صغيرة في كلامي وأنت تحملين ما هو أكبر من قدرتي على
الفهم. آسف لأني لم أسأل. لم أستمع. لم أتخيل حتى إمكانية أن تكون ابنتي أكبر من الإطار الذي وضعتها فيه.
شعرت بشيء يتحرك في صدري.
ليس اڼتقاما ولا شماتة بل شيء يشبه الشفق والراحة في آن واحد.
قلت بهدوء
الاعتذار لا يمحو الماضي لكنه يساعدنا أن نبدأ من جديد.
نظر إلي مطولا.
ثم قال
هل يمكننا أن نفعل ذلك أن نبدأ من جديد
ترددت.
ليس لأنني لا أريد بل لأن جراح هذه المسافة بيننا لم تخلق في يوم واحد ولن تلتئم في لحظة.
لكنني رأيت التجاعيد الجديدة قرب عينيه ورأيت يديه اللتين لم تعودا قويتين كما كانتا ورأيت الخۏف الحقيقي الذي يسكن قلب رجل أدرك متأخرا أنه لم يكن الأب الذي ظنه.
مددت يدي بهدوء ووضعتها على يده.
إيماءة صغيرة لكنها حملت جوابا واضحا
ربما نعم.
لم يبتسم.
لم ينهض فجأة ليعانقني.
فقط أغمض عينيه لحظة وكأنه يحفظ هذا الشعور في مكان عميق ثم فتحهما مجددا وقال
هل ستبقين قليلا
كانت هذه الجملة وحدها كافية لتكشف كم أنه ېخاف أن أفلت من بين يديه مرة أخرى لا كابنة تخرج من المنزل بل كامرأة قررت أخيرا أن لا تنتظر اعترافه.
ابتسمت بخفة
سأبقى.
بدأ الرجال ينصرفون واحدا تلو الآخر.
صافحني بعضهم باحترام وبعضهم بخجل وبعضهم بكلمات بسيطة مثل
شرف لنا اللقاء بك.
حافظي على نفسك يا أدميرال.
ابنتك جوهرة يا ريتش.
لم يرد أبي على تعليقاتهم.
كان مشغولا بفكرة واحدة فقط
كيف لم أعرف وكيف أبقيها هذه المرة
بعد أن هدأت الحديقة وجلسنا وحدنا تقريبا دخل إلى المطبخ وعاد بعد دقائق يحمل شيئا صغيرا في يده.
جلس أمامي ووضع صندوقا خشبيا صغيرا على الطاولة.
تعرفين هذا
فتح الغطاء ببطء.
كان خاتما قديما منقوشا عليه شعار البحرية وعليه خدوش تشهد على سنوات طويلة من الخدمة.
هذا خاتمي قال وهو يلمسه بأصابعه المتعبة. ارتديته عندما كنت أظن أن





