قصص قصيرة

ترك 32,500 ريال فوق الخزانة ليمتحن أمانتها… ففعلت شيئًا لم يتوقّعه قلبه ولا كاميراته!

دواء لابنها وأخرى لإصلاح الثلاجة التي تعطلت في عز الصيف وأتلفت طعام الأسبوع كله.
أغمض عينيه. كانت تلك المرأة بوضوح تعيش على الحافة تصارع لتبقى واقفة.
ومع ذلك ومع 32500 ريال أمامها وحدها دون أن يراها أحد ودون أن يعرف أحد اختارت أن تحمي غريبا أن تحميه هو.
فتح عينيه ولأول مرة منذ زمن طويل شعر بشيء مختلف
فضول حقيقي إنساني بلا حسابات.
من تكون آنا بياتريس
بم تفكر
كيف ترى الحياة
كيف تحمل كل هذه الكرامة وسط هذا القدر من الضيق
نظر إلى الساعة. الرابعة وأربعون دقيقة. آنا لا تزال في المنزل ستنتهي عند الخامسة تقريبا. تنفس بعمق وقرر أن ينتظر.
الساعة 1705. طرقة خفيفة على باب المكتب.
فتح مارسيلو. كانت آنا هناك.
زيها لا يزال مرتبا شعرها مرفوع عيناها مرهقتان لكن طيبتان.
ابتسمت بخجل من لا يريد أن يزعج أحدا
عذرا يا سيد أنهيت التنظيف. فقط أردت أن أخبرك بشيء قبل أن أغادر.
أشار لها أن تتابع فلم تسعفه الكلمات.
تركت مبلغا من المال فوق الخزانة في غرفة النوم.
أخذت صورة له لتتأكد أن كل شيء كما هو. تركته كما وجدته.
أرته الصورة الأوراق مصطفة كما كانت.
نحن لا نعرف أبدا أحيانا يدخل أكثر من شخص إلى المنزل. من الأفضل أن تحفظ مثل هذه الأشياء.
نظر إليها مارسيلو إلى ذلك الوجه المتعب إلى ذلك الصدق الذي يستحيل اصطناعه وشعر أن الأرض تميد تحته.
شكرا لك تمكن أخيرا من القول بصوت مبحوح. أنا الذي أشكرك.
ابتسمت آنا ثانية
لا داعي يا سيد هذا هو الصواب.
عدلت الحقيبة على كتفها.
إن احتجتني مرة أخرى الوكالة لديها بياناتي. أتمنى لك مساء لطيفا.
وغادرت.
بقي مارسيلو واقفا هناك يستمع إلى وقع خطواتها وهي تبتعد وصوت الباب الأمامي يغلق والبوابة تفتح ثم عودة الصمت.
عاد إلى المكتب أغلق الباب ولأول مرة منذ ست سنواتمنذ الطلاق ومنذ أن بنى تلك الجدران حول قلبه ومنذ أن قرر أن العالم فاسد وأنه محق في عدم الثقة بأحدجلس على الأرض وأسند رأسه إلى الحائط وبكى.
بكى لأنه أدرك حقيقة قاسية
الوحش في القصة لم يكن العالم بل كان هو نفسه.
لم ينم تلك الليلة. بقي مستلقيا على سريره الكبير البارد يحدق في السقف العالي ويعيد المشهد في ذهنه مرارا آنا النقود الرسالة خوفها الصادق عليه شعوره بالمهانة ليس لأنها أهانته بل لأنه أهان نفسه طوال تلك السنوات.
سنوات وهو يبني حصنا حول قلبه.
سنوات وهو يختبر ويدين ويحكم.
ثم تأتي امرأة لا يعرفها بالكاد نظر في وجهها وتهدم كل ذلك في خمس عشرة دقيقة.
استيقظ في الخامسة صباحا لا لأنه مضطر بل لأنه لم يعد يحتمل البقاء ساكنا. استحمشرب قهوة سوداء جلس في المكتب وفعل شيئا لم يسبق أن فعله
بدأ يبحث عن آنا بياتريسليس بطريقة غير قانونية لا بانتهاك خصوصيتها بل من خلال المعلومات المتاحة حساباتها عنوانها ما يمكن معرفته بشكل مشروع.
كان حسابها على فيسبوك بسيطا. صور قليلة أغلبها مع أطفالها ميغيل ولوانا.
صبي وفتاة ابتسامات واسعة ملابس بسيطة حفلات عيد ميلاد متواضعة كعكات منزلية بالونات رخيصة أصدقاء قلائل وعائلة حاضرة.
منشوراتها نادرة واحدة كل شهرين أو ثلاثة
عبارات تحفيزية آيات صور لغروب الشمس من نافذة الباص.
لا شكوى لا تذمر لا استعراض للألم.
قرأ مارسيلو كل منشور كل تعليق كل تفاعل وبدأ يكون صورة لامرأة تستيقظ في الرابعة والنصف صباحا تركب باصين تعمل في خمس بيوت مختلفة خلال الأسبوع تعود إلى بيتها في التاسعة ليلا تساعد ابنها في واجباته المدرسية رغم إنهاكها تسرح شعر ابنتها بجدائل جميلة كي تشعر الصغيرة بأنها جميلة في المدرسة تقسط فاتورة الكهرباء لترى إن كان بالإمكان دفع الإيجار وتحلم أن تكمل المرحلة الثانوية التي تركتها في السادسة عشرة لتعمل.
اكتشف أنها أم عزباء والد الطفلين اختفى عند ولادة لوانا لم يعد لم يدفع نفقة لم يسأل عنهم.
اكتشف أنها تعتني بوالدتها السيدة سليا المريضة بالتهاب المفاصل والسكري وأن أختها جوليانا معلمة في مدرسة حكومية تساعد قدر ما تستطيع وأن ثلاثتهن يتناوبن على رعاية الأطفال.
اكتشف أنها طلبت سلفة لدفع دواء التهاب الشعب الهوائية لميغيل ولإصلاح الثلاجة التي تعطلت في ذروة الصيف وأتلفت طعام الأسبوع كله.
أغلق الحاسوب ونهض وتوجه إلى النافذة. نظر إلى القصر الفارغ وإلى الحديقة المرتبة التي لم يدخلها وإلى السيارات الفاخرة التي نادرا ما يقودها وإلى الصمت الثقيل الذي كان يسميه سلاما وشعر بشيء لم يشعر به منذ زمن الاشمئزاز من نفسه.
فهو يملك كل شيء ولا يملك شيئا
بينما آنا التي تملك القليل تملك في الحقيقة الكثير أطفالها عائلتها كرامتها وهدفها.
قضى الأيام الثلاثة التالية وهو مأخوذ بفكرة واحدة. لم يستطع العمل ولا التركيز. كان يفكر في آنا في رسالتها في ذلك الصدق المذهل وفي الخير الذي ظن أنه انقرض.
ثم اتخذ قرارا.
لن يساعد آنا على طريقة الصدقة المهينة لن يذهب إلى بيتها بشيك وابتسامة متعالية.
سيفعل شيئا مختلفا شيئا تستحقه وشيئا يغيره هو أيضا.
لأن مارسيلو سانتورو للمرة الأولى في حياته أراد أن يكون جديرا بالاقتراب من شخص مثلها.
اتصل بوكالة التنظيف يوم الاثنين التالي وطلب آنا بياتريس بالاسم. قال إنه راض جدا عن عملها ويريدالتعاقد معها بشكل ثابت ليومين في الأسبوع بأجر يسدد لها مباشرة دون وسطاء. أخبرته الموظفة أن جدولها مكتمل لكنها ستحاول التنسيق. رفع مارسيلو العرض مبلغ ثابت أسبوعيا يدفع مقدما بلا خصومات.
ترددت الموظفة ثم عادت للاتصال بعد عشرين دقيقة آنا وافقت.
ستبدأ يوم الخميس.
أغلق الهاتف وتنفس بعمق. لم يكن يعرف بالضبط ماذا يفعل لكنه شعر أنه يجب أن يفعل شيئا.
الخميس التاسعة صباحا ضغطت آنا زر الاتصال عند البوابة.
هذه المرة رد هو بنفسه وفتح الباب وانتظرها عند المدخل.
صعدت الممر بالحقيبة ذاتها القديمة والزي ذاته الأزرق الداكن وبالابتسامة المهذبة نفسها البعيدة قليلا.
صباح الخير سيد.
صباح الخير آنا تفضلي بالدخول.
دخلت ونظرت حولها متعرفة إلى المكان.
تنفس مارسيلو بعمق. كان قد تدرب على ما سيقوله لكن أمامها الآن بدت كل الكلمات غير مناسبة.
آنا أود التحدث معك قليلا قبل أن تبدئي إن أمكن.
بدت عليها الدهشة لكنها أومأت
بالطبع يا سيد.
أشار إلى الأريكة. جلست آنا على طرفها مستقيمة ويداها متشابكتان في حجرها. جلس هو في المقعد المقابل. ساد صمت قصير.
آنا أريد أن أطلب منك العفو.
رمشت متعجبة
عفوا عن ماذا يا سيد
ابتلع ريقه وقال
في ذلك الخميس عندما جئت أول مرة تركت المال فوق الخزانة عمدا. فعلت هذا مع كل من عمل هنا. كنت أجري اختبارا لأرى من هو الأمين ومن ليس كذلك. وأنت
توقف صوته لحظة ثم أكمل
أظهرت لي شيئا كنت قد نسيت أنه موجود.
لم تقل آنا شيئا واكتفت بالنظر إليه بعينيها المتعبتين الطيبتين.
أمضيت سنوات وأنا أؤمن بأن لكل إنسان ثمنا وأنه يكفي أن أجد ذلك الثمن لأرى حقيقته. وكنت مخطئا مخطئا جدا. لأنك أنت لم تريني كصاحب عمل فقط. رأيت في إنسانا قد يحتاج إلى من يحميه من تهاونه. وهذا
تنفس بعمق.
هذا هزني بطريقة لا أعرف كيف أصفها.
خفضت آنا بصرها وقالت بهدوء
يا سيد أنا فقط فعلت الصواب. الأمر ليس عظيما.
بل هو عظيم جدا. مهم للغاية.
مال مارسيلو إلى الأمام
أنا أعرف بعضا عن حياتك لا بشكل متطفل لكنني بحثت. أعرف عن طفليك وعن والدتك وأعرف أنك تستيقظين في الرابعة والنصف صباحا وتعودين في التاسعة ليلا وأعرف أنك تكافحين كل يوم لتحفظي الكرامة لأسرتك. ومع ذلك ومع 32 ألف ريال أمامك لم تلمسيها. بل حميتني.
رفعت آنا عينيها وللمرة الأولى رأى فيهما شيئا مختلفا ليس غضبا ولا حقدا بل حزنا.
يا سيد أفهم أنك تريد مساعدتي وأنا أقدر ذلك حقا لكنني لا أحتاج إلى شفقة. أحتاج إلى عمل. أحتاج إلى كرامة. لا أريد أن أكون مشروع إحسان عند أحد.
شعر مارسيلو بانقباضفي صدره.
أعلم يا آنا وأنا لا أريد مساعدتك من باب الشفقة.
أريد أحتاج أن أتغير ولا أعرف كيف أفعل ذلك وحدي.
قطبت آنا جبينها
تتغير في ماذا
في نفسي.
مرر يده على وجهه
تحولت إلى شخص قاس يا آنا. كنت أختبر الناس وكأنهم أشياء. أحكم وأدين. وأنت أريتني أن المشكلة لم تكن في العالم بل في أنا.
ساد صمت طويل وثقيل.
تنفست آنا بعمق وسألت
ماذا تريد مني يا سيد
نظر في عينيها وقال
أريد الصدق الذي منحتني إياه في ذلك اليوم دون أن تدري دون حساب فقط صدقا.
سكتت آنا لثوان طويلة ثم أومأت ببطء
حسنا لكنني أتابع عملي كما هو. لن أقبل بشيء لا أناله بعرق جبيني.
متفقون.
ابتسم مارسيلو لأول مرة منذ أيام
متفقون.
وفي تلك الغرفة الباردة بين مليونير مكسور من الداخل ومنظفة شديدة النزاهة ولد شيء نادر الاحترام.
مرت الأسابيع التالية مختلفة.
كانت آنا تأتي الخميس والجمعة تنظف البيت لكن الآن كان مارسيلو حاضرا دائما لا كمراقب بل كإنسان موجود. صارت بينهما أحاديث
في البداية قصيرة ثم أطول عن أطفالها عن طفولته عن أحلام قديمة عن جراح لا ترى.
حكت آنا عن اليوم الذي اكتشفت فيه حملها بميغيل. كانت في السادسة والعشرين. وعدها حبيبها بالزواج ثم اختفى بعد ثلاثة أشهر. بكت يومين ثم نهضت لأنها لم تكن تملك رفاهية الانهيار.
حكى هو عن أبيه الرجل القاسي رجل الأعمال الصارم الذي علمه ألا يثق بأحد والذي مات وحيدا في غرفة مستشفى تحيط به الأجهزة والممرضون دون أي صديق حقيقي إلى جانبه.
حدثته آنا عن حلمها بأن تعود للدراسة أن تنهي المرحلة الثانوية وربما تلتحق بكلية التربية ذات يوم فهي تحب الأطفال وترغب في العمل في التعليم.
أصغى مارسيلو وقرر أن يفعل شيئا. لم يخبرها لم يرد أن تشعر بأنها مدينة له بل تصرف بصمت.
اتصل بصديق له مدير في مدرسة خاصة وطلب منحه طفلين منحة دراسية كاملة لميغيل ولوانا. شرح له وضع الأسرة. تردد الصديق لكن مارسيلو أصر هذا ليس معروفا هذا استثمار في طفلين يستحقان الفرصة.
وافق الصديق.
ثم بحث عن عيادة صحية خاصة واتفق على خطة تأمين صحي للأسرة لآنا وللطفلين وللسيدة سليا. دفع التكلفة السنوية مقدما دون تعقيدات.
ثم الجزء الأصعب
راجع محاميا مختصا في قضايا العمل وشرح الوضع وطلب إعداد عقد عمل لائق بوظيفة رسمية وراتب عادل وإجازات وحقوق كاملة. لكن لم يتوقف عند هذا أنشأ صندوق استثمار باسم آنا وضع فيه مئة ألف ريال كبداية تدر أرباحا شهرية تكبر بمرور الوقت وتكون بملكيتها وحدها لضمان ألا تضطر بعد اليوم للاختيار بين دواء أو إيجار.
أعد كل شيء بصمت دوناستعراض أو طلب شكر.
بعد ثلاثة أشهر دعا آنا إلى المكتب.
دخلت متوترة ظنت أنها ستفصل أو أنها ارتكبت خطأ ما.
كان يجلس إلى

الصفحة السابقة 1 2 3الصفحة التالية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock