قصص قصيرة

مراتي

مراتي بتستحمى مرتين كل ليله قبل ما تنـ ام علي السرير  الاول كنت مفكره نظافه زايده قلت يا فرج الله ، 
زوجتي تستحمّ مرتين كل ليلة قبل أن تأتي إلى السرير… وقد اكتشفت أخيرًا السبب.
في البداية، ظننتُ أن الأمر لا يتعدّى رغبتها في الشعور بالنظافة. زوجتي أماكا كانت دائمًا بهذه الرقة. رقيقة في حركتها، رقيقة في صوتها، وحتى في الطريقة التي تضع بها الأشياء، وكأن كلمة قاسية قد تُسقطها أرضًا.
كنّا متزوجين منذ خمسة أشهر فقط، وكل ليلة كانت تتبع الإيقاع نفسه. تتناول عشاءها، تضحك بخفوت، تعبث قليلًا بهاتفها، ثم تذهب لتأخذ حمّامها الثاني في اليوم. حتى في الأيام التي لا تخرج فيها من البيت، حتى  إليها أن تبقى، كانت تخرج من الحمّام وكأنها بطلة إعلان عطر: بشرة ندية، منشفة ملفوفة بإتقان، ورائحة الكركديه والفانيليا تتبعها أينما خطت.
ثم تنزلق إلى السرير، دائمًا مستديرة بظهرها نحوي وتهمس: تصبح على خير يا حبيبي….وتنام قبل أن أمدّ يدي نحوها.
كنت أقنع نفسي بألا أضغط عليها، ربما تحتاج إلى وقت. لكن الحقيقة أنني كنت خائفًا… خائفًا من أن أفسد ما بيننا.
اسمي زيد، عمري 31 عامًا. أعمل في تصميم المطابخلكسب رزقي. لستُ ثريًا، لكنني أعرف كيف أجعل المرأة تشعر بالأمان. هذا كل ما رغبت به دائمًا: شخص أعود إليه، شخص لا يجعلني أشعر أنني أكثر مما يجب… أو أقل.
وعندما دخلت( لي لي )حياتي، ظننت أنني وجدته أخيرًا. التقينا في معرضٍ للأثاث…حكايات اسما
عندما التقيت بها لأول مرة في معرض الأثاث، كانت تقف أمام مجموعة من الكراسي الخشبية المصمّمة بعناية، تمرّر أصابعها بلطف فوق الحواف المنشّفة بدقة، كأنها تختبر ملمس العالم من حولها. كنتُ هناك أراجع تفاصيل أحد المطابخ المعروضة، أدوّن ملاحظات للعميل، لكن شيئًا ما شدّني إليها. ربما هدوؤها الذي كان يسحب أي ضجيج من المكان، أو تلك النظرة التي تجمع بين الفضول والخوف في آن واحد.حكايات اسما
لم تكن من النوع الذي يتحدث كثيرًا. بالعكس، كلماتها كانت قليلة لكنها تصيب مكانها. حين سألتني عن نوع الخشب المستخدم في الطاولة أمامها، لم يكن السؤال مهمًا بقدر الطريقة التي قالته بها بصوت خافت لكنه ثابت، كأنها تريد أن تظهر أنها تعرف ما تبحث عنه، رغم أن عينيها كانت تقول شيئًا آخر تمامًا.
ابتسمتُ يومها، وبدأ الحديث بيننا، حديث عادي جدًا، لكنه كان كافيًا ليترك أثرًا في صدري. كأنالهواء الذي تحدثت به امتلأ برائحتها، وكأن صوتها بقي في أذني وقتًا أطول من المفروض.
لم أكن أعرف آنذاك أنها ستصبح زوجتي. ولا كنت أعرف أن وراء هذه الرقة عالَمًا كاملًا تحاول جاهدة أن تخبئه.
بعد زواجنا، بدأت ألاحظ أمورًا صغيرة… أمورًا لم أستطع تفسيرها…
صمتٌ أطول مما يجب، نظرة سريعة نحو الباب قبل أن تغلقه، الطريقة التي تنتفض بها أحيانًا حين ألمس كتفها بلا قصد، كأن جلدها اعتاد على حماية نفسه قبل أن يفهم ما يحدث.
كنت أقول لنفسي إنها تحتاج وقتًا. خمس سنوات من العزلة قبل لقائنا، ماضٍ لم تتحدث عنه كثيرًا، وعائلة تعيش خارج البلاد. تخيّلت أنها فقط خجولة، أو ربما حذِرة. لكن لم يخطر ببالي يومًا أن يكون هناك سبب يدفعها لأن تستحم مرتين كل ليلة، وبنفس الهدوء، بنفس التوقيت، بنفس الطقوس.
في إحدى الليالي، تأخرتُ بالعمل حتى الساعة العاشرة. وعندما عدت إلى المنزل، وجدتها جالسة على الأريكة، تنظر إلى التلفاز المطفأ، وكأنها تتابع شيئًا لا يراه غيرها.
اقتربت منها وسألتها إن كانت بخير.
هزّت رأسها وهتفت:  نعم، فقط متعبة قليلًا.
لكن صوتها لم يكن متعبًا، بل خائفًا. هناك خيط رفيع بين التعب والخوف، وبرغم صعوبةرؤيته، إلا أنني شعرت به.
لم أُلحّ… لكن تلك الليلة، عندما أخذت حمّامها الثاني، ظللت واقفًا عند باب غرفة النوم، أستمع لصوت الماء المتساقط. كان صوتًا منتظمًا، وكأنها تغسل عن نفسها شيئًا غير مرئي. شيئًا لا يذهب بسهولة.
عندما خرجت، كانت ….. عندما خرجت، كانت…

كانت عيناها حمراء… كأنها كانت تبكي تحت الماء. شعرها المبلل كان يلتصق برقبتها، وملامحها بدت منهكة، لكنها حاولت ترتّب ابتسامة صغيرة على وجهها، ابتسامة تعترف بالهزيمة قبل أن تبدأ.

سارت بهدوء نحو السرير، لكن هذه المرة لم تستدر بظهرها نحوي. جلست على الحافة، وأصابعها تلعب ببقايا البلل على منشفتها. شعرتُ بقلب يطرق صدري بعنف. شيء ما سينكشف… شيء كانت تخفيه منذ شهور.

اقتربت منها وجلست بجانبها. سألتها بصوت منخفض:

“أماكا… إنتي كويسة؟”

لم ترفع عينيها، فقط اكتفت بهزّة رأس صغيرة، ثم قالت بشفاه مرتعشة:

“زيد… محتاجة أقولك حاجة… بس خايفة.”

وضعت يدي فوق يدها. لأول مرة منذ زواجنا لم تسحبها.

تنفّست بعمق، وكأنها تستعد لتفتح بابًا محبوسًا خلفه عاصفة.

“أنا مش بستحم… علشان أحس بالنضافة.”

ارتجف ظهرها قليلًا حين قالتها، وكأن مجرد سماع صوت الحقيقةيؤلم.

“أنا بستحم… علشان أشيل ريحته.”

1 2الصفحة التالية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock