
في عام 1995 رحل تركها وحيدة مع خمسة أطفالٍ سود البشرة وبعد ثلاثين عامًا ظهرت الحقيقة
الثمينة وعلى العمل كما لو أن الجهد صلاة وعلى الاحترام كما لو أنه اللغة الأولى للإنسان. لم يحملوا في قلوبهم يوما بذرة حقد ولم يتعلموا الرد على الأڈى بالأڈى كانوا دائما يعيدون الإساءة إلى التراب بدلا من ردها إلى صاحبها.
ومع مرور الأيام بدأ كل واحد منهم يشبهها بطريقة مختلفة فيهم من ورث صلابتها ومن أخذ عنها حكمتها ومن تعلم منها الصمت الذي يربي القوة أكثر من الكلام. كانوا صورتها الممتدة الامتداد الذي حلمت به.
ومضت السنوات طويلة وثقيلة تتساقط عاما بعد عام حتى اكتملت ثلاثة عقود كاملة. ثلاثون عاما عاش فيها الأبناء مطمئنين إلى عالم ظنوه ثابتا لا يتزعزع.
وفي صباح بدا عاديا حدث ما لم يكن في الحسبان.
ظهرت الحقيقة.
الحقيقة التي غيرت كل شيء.
الحقيقة التي صدمت الجميع!
الركام وحدها. أحس لأول مرة في حياته بأن اسمه الذي يحمله أولاده لم يعد يشفع له بل صار عبئا عليه هو نفسه إذ كانوا يحملون منه الاسم فقط لا الصورة ولا الملامح ولا السيرة ولا أي شيء يربطهم به سوى چرح قديم لم يندمل.
حاول أن يعود. حاول أن يطرق بابا أو يرسل رسالة أو يمرر كلمة عبر أحد الأقارب. لكن الطريق كان مغلقا. ليس لأن أبناءه يكرهونه فهم لم يعرفوه أصلا ليكرهوه بل لأن الزمن لا يعود إلى الوراء ولأن الندم مهما كان صادقا لا يمنح صاحبه الحق في اقټحام حياة من تركهم غارقين في الحزن سنوات طويلة.
الأم لم تكن تشعر نحوه بالحقد. لقد تجاوزت تلك المرحلة منذ زمن. قلبها الذي كان يغلي بالڠضب يوما صار الآن هادئا كالنهر بعد فيضان. لم تعد تملك وقتا للوم ولا طاقة للڠضب فقد اكتشفت فيما بعد أن الحقد عبء يثقل الروح وأن التجاهل نعمة تشفي الچرح. كانت أكبر من أن تلتفت خلفها. أكبر من أن تعطي الماضي فرصة أخرى لېؤذيها. فهمت أن القوة ليست في الاڼتقام بل في أن تترك ما يؤلمك وراء ظهرك دون أن تنحني.
مرت الأيام التالية على البيت كأن صفحة بيضاء تكتب بحروف من نور. لكل شيء طعم جديد الهواء أخف الخطوات أهدأ والنوم أعمق.
لم تعد الأم تنام وهي تخاف من الغد ولا يستيقظ الأبناء وهم يشعرون أنهم مطاردين من ظل الاټهامات القديمة. صاروا ينظرون إلى العالم من عل من المكان الذي يليق بمن صبر وانتصر.
في البلدة تغير كل شيء. نظرات الناس لم تعد تلك النظرات التي تخترق القلب شكا أو استهزاء. صاروا ينظرون إليها باحترام غريب احترام من يعرف أنه كان مخطئا لكنه لا يملك الشجاعة ليعترف بذلك. بعض النساء اللواتي كن يشيحن بوجوههن عنها صرن يقفن طويلا أمام باب منزلها ثم يذهبن دون أن تجرؤ إحداهن على قرع الجرس.
بعض الرجال الذين كانوا يغيرون الطريق





