قصص قصيرة

زوجي تزوّج وبعد أربع سنوات، رأى الطفل الذي جعل وجهه يشحب

لم أستطع النوم تلك الليلة. كنت أجلس على طرف السرير أستمع إلى أنفاس جاكوب وهو ينام بطمأنينة بينما عقلي لا يهدأ. كنت أحاول أن أقنع نفسي أن ما حدث في السوق مجرد صدفة عابرة لكن نظرة مارك لم تكن نظرة رجل التقى بصدفة. كانت نظرة دهشة وخوف وندم في آن واحد نظرة من رأى أمامه شيئا لم يتخيله قط. حين التقت عينانا شعرت أن الماضي يمد يده من جديد ليذكرني بأن بعض الأبواب لا تغلق حقا مهما أوصدناها.
قضيت الليل أقلب الذكريات التي حاولت ډفنها. تذكرت ذلك اليوم حين قال لي بهدوء قاټل كلير لا أستطيع الاستمرار. لم يكن يريد طلاقا فقط بل حياة جديدة . ترك المفتاح على الطاولة وغادر دون أن ينظر خلفه وكنت أنا أبحث في ملامحه عن أي أثر للرجل الذي أحببته ثماني سنوات فلم أجد سوى ظل باهت لإنسان لم أعد أعرفه.
بعد رحيله صار البيت صامتا كالقپر. كل زاوية تحمل أثره وكل كرسي يذكرني بصوته وكل غروب كان يذكرني أننا لم نعد اثنين. حاولت أن أملأ الفراغ بالعمل. كنت أقضي نوبات طويلة في المستشفى أتنقل بين غرف المرضى أداويهم لأهرب من چرحي أنا. كنت أبتسم وأتظاهر بالقوة لكن داخلي كان يتآكل ببطء. كنت أظن أنني لن أستطيع التنفس مجددا حتى جاء ذلك الصباح الذي غير كل شيء يوم اكتشفت أنني أحمل طفلا.
حين نظرت إلى نتيجة الفحص ارتجفت يداي. لم أدر أأبكي أم أبتسم. شعور غريب من الخۏف والفرح اجتاحني. كنت أعلم أن مارك لم يعد جزءا من حياتي لكن فكرة وجود طفل منه جعلتني أشعر أن هناك شيئا من حياتي السابقة ما زال نابضا بداخلي شيء نقي لم يلوثه الغدر. قررت أن أحتفظ بالطفل مهما كان الثمن. أطلقت عليه اسم جاكوب حتى قبل أن يولد وكأن الاسم كان وعدا بالأمل.
حين ولد حملته بين ذراعي وشعرت أن العالم توقف لثوان. رأيت في ملامحه ظل أبيه الشعر الفاتح والعينان اللتان لا تخطئهما ذاكرتي. شعرت بشيء يشبه العفو. قلت لنفسي هذا ليس امتدادا للخېانة بل بداية حياة جديدة. صار جاكوب عالمي الصغير نوري الوحيد وسط الركام. كبرت معه خطوة بخطوة. كنت أستيقظ على ضحكته وأنام على صوته وشيئا فشيئا بدأت أصدق أنني بخير.
مرت السنوات الأربع ببطء لكنها كانت تشبه شفاء الچرح بعد ۏجع طويل. كنت أعيش ببساطة أعمل أعود إلى بيتي أحتضن طفلي وأغلق الباب على سكينتي. لم يكن في حياتي رجال ولا رغبة في الحب فقط عالم صغير فيه دفء كاف. حتى جاء يوم السوق حين سمعت اسمي ينادى كلير ومنذ تلك اللحظة لم يعد شيء كما كان.
بعد اللقاء بيومين وجدت ظرفا صغيرا عند باب الشقة بلا اسم لكنني عرفت خطه من النظرة الأولى. كان بخط مارك. ترددت قبل أن أفتحه ثم فعلت. كتب داخله
كلير أعلم أنك لا تريدين رؤيتي لكن منذ رأيتكما وأنا لا أستطيع النوم. أحتاج فقط أن أعرف من هو الصبي
أغلقت الرسالة دون أن أرد. لم أرد أن أفتح الباب من جديد. لكن الرسائل لم تتوقف. بعدها بأيام وصلت ثانية ثم ثالثة كلها بنفس الهدوء المؤلم
لن أطلب شيئا فقط أريد أن أراه من بعيد.
كنت أظنه يحاول أن يعذبني بحضوره من جديد لكن عينيه في السوق لم تكونا عيون رجل متغطرس بل رجل فقد شيئا لا يعوض. كنت أراه أحيانا من بعيد يقف قرب الرصيف المقابل حين أخرج من العمل لا يقترب لا يتحدث فقط ينظر. وكنت أهرب منه كل مرة لكن داخلي لم يكن يهرب.
وفي مساء آخر وجدت رسالة مختلفة عن سابقاتها طويلة وكأنها اعتراف متأخر
كلير أنا لا أطلب غفرانك. فقط أريد أن أعرف أنه بخير. كل ليلة أراه في أحلامي بنفس ملامحي
 

1 2الصفحة التالية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock