قصص قصيرة

قصة زوجة الابن التي اعتنت بحماتها 8 سنوات واكتشفت المفاجأة بعد وفاتها

في الداخل كان هناك ظرف آخر مغلف بعناية مختوم بالشمع الأحمر ذاته وموضوع بعناية فوق كومة من الأوراق القديمة. أخذته بيدي المرتجفتين وجلست على الكرسي الذي كانت تجلس عليه وبدأت أقرأ.
أنا دونا إيزابيل هيرنانديز أقر بأنني تركت وصية إضافية لا يعلم عنها أحد سوى كاتب العدل خوسيه لوبيز. أوصي فيها بأن يمنح المنزل الرئيسي في أوكساكا مع الفناء والورشة الخشبية إلى السيدة إيلينا بيريز دي رييس عرفانا بوفائها ورعايتها لي خلال مرضي وحفاظها على كرامتيوإنسانيتي في أيامي الأخيرة.
لم أتمالك نفسي. شعرت أن الغرفة تدور بي وأن شيئا أكبر من العدالة يحدث أمامي. وضعت الورقة على صدري وأطلقت تنهيدة طويلة خرجت من عمق روحي كأن كل سنوات التعب والخذلان ذابت في لحظة واحدة.
فتحت باقي الأوراق فوجدت توقيع الكاتب العدل وختما رسميا وتاريخا يسبق موتها بأسبوعين فقط. كانت تعرف تماما ما تفعل. كانت تخطط بصمت كما كانت دائما تفعل كل شيء بصمت.
في تلك اللحظة دخل زوجي دييغو الغرفة فرأى وجهي المبلل بالدموع والورقة في يدي. سألني بصوت خافت 
إيلينا ماذا هناك
ناولته الرسالة أولا ثم الوصية. جلس بجانبي يقرأ وكلما قرأ سطرا ازدادت نظراته دهشة وتأثرا. عندما أنهى القراءة لم يتحدث. فقط مد يده ووضعها على يدي وقال 
كانت تعرف كانت تعرف من يستحق.
لم أستطع أن أقول شيئا. فقط بكيت لا بكاء الفرح ولا الحزن بل بكاء من شعر أخيرا أن العدالة ليست ميتة وأن الله لا يترك تعب أحد يضيع سدى.
في اليوم التالي ذهبت مع دييغو إلى مكتب الكاتب خوسيه لوبيز. كان رجلا عجوزا بلحية بيضاء ونظارات مستديرة. عندما رآنا ابتسم بهدوء وكأنه كان ينتظرنا منذ زمن. قال لي 
أعرفك يا سيدة إيلينا. لقد أوصتني دونا إيزابيل أن أسلمك هذا الملف إن جئت بنفسك فقط لا أحد غيرك.
مد يده إلى درج قديم وأخرج ظرفا كبيرا يحتوي على أوراق رسمية مختومة ومفتاحا آخر أكبر من الأول.
قال هذا مفتاحالصندوق الحديدي في البنك. بداخله ما لم تستطيعي تخيله.
شكرته وغادرنا المكتب ونحن نكاد لا نصدق ما يحدث.
في المساء فتحنا الصندوق البنكي وهناك وجدنا مجلدا جلديا به مستندات ملكية البيت والأرض وورشة النجارة بالإضافة إلى دفتر صغير بخط يدها عنوانه دفتر الامتنان.
فتحت الدفتر فوجدت فيه كلماتها عن كل يوم من أيام مرضها وعن لحظات صغيرة كنت أظنها عادية لكنها كانت تراها بطولية.
اليوم ساعدتني إيلينا على الجلوس قرب النافذة لأرى السماء. ضوء الشمس كان أجمل من أي دواء.
الليلة عندما وضعت الغطاء على قدمي شعرت أن الله أرسل لي ملاكا في صورة إنسانة.
لم أتمالك نفسي من البكاء. كانت كل صفحة شهادة حب وامتنان.
علمت وقتها أن الناس قد ينسون ما تقوله لهم لكنهم لا ينسون أبدا كيف جعلتهم يشعرون.
مرت الأيام وجاءت الشقيقتان غابرييلا وصوفيا بعد أن علمتا بما حدث. كانتا غاضبتين تتحدثان عن الميراث والعدالة والقانون لكن دييغو واجههما بهدوء وأراهما النسخة الرسمية من الوصية الجديدة والمستندات الموقعة.
انكسرت غابرييلا أولا ثم صوفيا وعاد الصمت يخيم على المكان. لم يكن انتصارا بل كان درسا.
منذ ذلك اليوم لم أعد أنظر إلى البيت كبيت ورثته بل كأمانة من قلب عرف قيمة الحب الحقيقي.
في كل صباح أفتح النوافذ الكبيرة المطلة على الحديقة أشم رائحة أزهار البوجامبيليا التي كانت تحبها وأشعر أنها ما زالت هنا.
في المطبخأعد الأتول الساخن كما كنت أفعل لها وأضع فنجانا صغيرا على الطاولة كأنها ستدخل في أي لحظة.
لم تعد الغرفة باردة ولم يعد الصمت مؤلما. صار الصمت مليئا بالسلام.
ومع مرور السنوات تحول بيت دونا إيزابيل إلى ورشة صغيرة لتعليم الفتيات الفقيرات الحرف اليدوية. أردت أن أحافظ على وصيتها الحقيقية ليس فقط في الورق بل في الحياة نفسها.
كنت أقول لهن دائما 
المحبة لا تقاس بالكلمات بل بما تتركه خلفك في قلوب الناس. كل عمل صغير إذا خرج من القلب سيعود إليك يوما ما ولو بعد الرحيل.
وفي أحد الأيام وبينما كنت أروي قصتي لإحدى الفتيات الصغيرات سألتني 
هل كنت حزينة عندما لم تذكرك في الوصية الأولى
ابتسمت ونظرت إلى السماء وقلت 
كنت حزينة نعم لكني تعلمت أن الصبر لا يضيع. أحيانا تكون العدالة بطيئة لكنها تأتي في الوقت المناسب تماما مثل مطر ينتظر اللحظة التي تشتاق فيها الأرض إليه.
ومنذ ذلك اليوم لم أعد أرى في الظلم جرحا بل اختبارا يكشف من نكون. لأن المحبة الحقيقية والنية الصافية لا تحتاج شهودا ولا قانونا لتثبت نفسها يكفي أن يكون الله شاهدا عليها.
وهكذا بقيت قصة دونا إيزابيل تلك المرأة التي رحلت عن الدنيا بجسدها لكنها تركت وراءها عدلا يروى وأثرا لا ينسى.
ورغم أن الجميع نسي تفاصيل
الميراث والخلافات ظل اسمها محفورا في اللوح الخشبي عند باب البيت كما كتبته بخطها يوم زفافنا 
البيتالذي تبنى جدرانه بالمحبة لا يسقط أبدا.

الصفحة السابقة 1 2 3

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock