
امرأة نزلت لتنظّف بئرًا مهجورًا… فعادت بحقيقةٍ كانت مدفونة لعقود
بالشجيرات ووضع لوحات بسيطة عليها أسماء الضحايا. ووقف هو وماريا أمام القپور في يوم الافتتاح والناس من حولهما ينظرون بدهشة واحترام.
ومع مرور الأيام بدأت علاقة مختلفة تنمو بينهما. لم تكن علاقة رجل بامرأة وحسب بل علاقة روحين أنهكتهما الحياة وجمعهما القدر بطريقة لم يتخيلها أحد. كان يواكيم يزور ماريا في المطبخ كل صباح يحضر لها كوب القهوة بيده ويجلس معها على الشرفة مساء يحكي لها عن أسرار العائلة وعن طفولته وعن وحدته بعد ۏفاة زوجته.
وكانت ماريا تحكي له عن السنوات القاسېة التي عاشتها بعد ۏفاة زوجها وعن الليالي التي نامت فيها بلا عشاء وعن أولادها الذين تشتتوا وعن الشقاء الذي جعل قلبها يتعب لكنه لم ينكسر.
كانت الليالي على الشرفة الطويلة تتحول فجأة إلى أحاديث دافئة والضحكات الصغيرة تتسلل إلى المكان الروحاني الذي كان ساكنا لسنوات. بدأ كل واحد منهما يشعر أن وجود الآخر ليس مجرد مصادفة بل ضرورة.
وفي إحدى الأمسيات نظر إليها نظرة طويلة لم يسبق أن رآها أحد في عينيه. ثم قال بصوت خاڤت يشبه اعترافا
ماريا لن أعود لسابق عزلتي. وجودك هنا يعطيني معنى لا أعرف كيف أصفه.
رفعت رأسها ونظرت إليه بدهشة فقال
أريدك أن تبقي. ليس كعاملة. كزوجة.
تجمدت الكلمات في حلقها. لم تكن تتصور أن يأتيها عرض كهذا في هذا العمر ولكن عينيه كانتا صادقتين بطريقة لا يستطيع الإنسان مقاومتها. وبعد تردد خفيف قالت بصوت مبحوح
في هذا العمر
أجاب بابتسامة
العمر لا يقيس القلب.
وتزوجا. كان حفلا صغيرا بسيطا لكنه كان مليئا بالدفء وأقرب إلى احتفال بأمل جديد أكثر منه زواجا رسميا.
مرت السنوات وكبر الحب بينهما. كانا يجلسان على الشرفة كل صباح يراقبان الحقول الخضراء تتلألأ تحت الشمس ويتذكران الأيام الصعبة وكيف أن نزولها إلى البئر لم يكشف فقط سرا مدفونا بل أعاد لها الحياة.
وفي إحدى الأمسيات بينما كان الغروب يلون السماء بالأحمر والبنفسجي أمسك يواكيم بيدها وقال
لو عاد بك الزمن هل كنت ستنزلين إلى البئر مرة أخرى
نظرت إليه بابتسامة طويلة مليئة بالحنين وقالت
نعم لأنني لو لم أنزل لما اكتشفت الحقيقة ولما وجدت أنت.
كانت تلك اللحظة بداية فصل جديد في حياتهما فصل كتبته يد القدر على درجات بئر مظلم لكنه انتهى بضوء لا يطفأ.





