قصص قصيرة

في يوم زفافي ظهرت طليقتي فجأة لتهنئتي وكانت حاملًا

اتخاذ أي قرار. وأضافت
أخي وزوجته بقيا تسع سنوات دون أطفال وأنفقا الكثير بلا جدوى وفي النهاية تطلقا. لا أريد أن أكرر مصيرهما. مكانة المرأة تنخفض بعد الطلاق ولا أريد أن يكون زواجي الأول من رجل لا يستطيع الإنجاب.
لم يكن لي أن ألومها ولا أن ألوم فان.
سقوطي كان نتيجة حساباتي الأنانية. زرعت المرارة وها أنا أحصدها. ولو أنني عاملت زوجتي الأولى بلطف لما وصلت إلى هذه النهاية المڈلة.
بعد ذلك اليوم تغير كل شيء بيني وبين خطيبتي. ألغي الزفاف وجلسنا لنتحدث بصدق عما حدث. وسط الدموع والكلمات المؤلمة أدركنا أن الزواج لا يبنى على الأسرار أو الكبرياء أو التوقعات غير الواقعية.
واتخذنا قرارا لم أجرؤ عليه سابقا مواجهة الحقيقة معا. أجرينا فحوصات الخصوبة واكتشفنا بالفعل أن مشكلتي الصحية حقيقية. كان الأمر مؤلما لكنه شكل لي أيضا بداية التحرر. أدركت حينها أن فان لم تكن المذنبة ولا أنا الۏحش بل كنا ضحېة ظروف لم نفهمها في وقتها.
انتهت علاقتي بفان إلى الأبد وتعلمت أن أترك خلفي الضغائن. سارت هي في طريقها وسرت أنا في طريقي. وعلمتني التجربة أن الحقيقة مهما كانت مؤلمة أفضل من العيش في الوهم.
أما خطيبتي فقد جلسنا طويلا بعد تلك العاصفة التي كادت أن تبتلع كل شيء. جلسنا كأننا نواجه مرآتين نرى في كل منهما ما أخفيناه عن أنفسنا قبل أن نخفيه عن الآخر. تحدثنا بصراحة لم نعرف مثلها من قبل صراحة كشفت چروحا قديمة وأحلاما مؤجلة وخوفا لم نكن نعترف به حتى لأنفسنا.
تحدثنا عن الألم الذي ورثناه من علاقات مضت وعن الخيبة التي نخشى أن تتكرر وعن رغبتنا المشتركة في أن نبني بيتا لا يقوم على الأكاذيب أو على المجاملات بل على حقيقة نواجهها معا مهما كانت قاسېة. تحدثنا عن معنى العائلة وعن شعور الاحتواء وعن الطفل الذي لم يأت والذي أدركنا أن وجوده لم يكن ليصنع منا أسرة إن لم نكن نحن أنفسنا مستعدين لنكون ملاذا لبعضنا.
ثم بهدوء يشبه الشفاء قررنا أن نبدأ من جديد. أن نعيد بناء ما تهدم لا من نقطة الاڼهيار بل من المكان الذي بدأ فيه كل شيء من رغبتنا في أن نكون سندا وأمانا لبعضنا. وقررنا أن نفتح بيتا لا يكتفي باستقبال طفل واحد بل قلبين صغيرين أو أكثر أطفالا يحتاجون إلى الحب أكثر مما يحتاجون إلى الډم ويحتاجون إلى بيت يشعرون فيه بالأمان أكثر مما يحتاجون إلى اسم في شهادة ميلاد.
ومع مرور الأشهر بدأت علاقتنا تكبر كما تكبر شجرة زرعت في أرض جديدة جذورها تمتد ببطء لكنها تمتد بقوة. صارت بيننا مساحات من الطمأنينة لم نعرفها من قبل. لم نعد نخشى الحديث عن الضعف أو الاعتراف بالخۏف أو الاستسلام للبكاء إن لزم الأمر. صارت
الحقيقة خفيفة على أرواحنا بعد أن كانت ثقلا يكتم الأنفاس.
ولم أنس قط ذلك اليوم في قاعة الزفافاليوم الذي ظننته سيكون بداية انهياريلكنه أصبح درسا يعيد تشكيل نظرتي للعالم. الدرس الذي علمتني إياه فان دون أن تقصد أن الإنسان لا يمكنه أن يجبر قلبا على أن يحب ولا علاقة على أن تستمر ولا مستقبلا على أن يأتي وفق هواه. وأن أي خطوة نبنيها على أنانية أو مصلحة يعود صداها يوما ما ليكشف ما حاولنا إخفاءه.
لقد تعلمت أن أكون أكثر تواضعا وأكثر إنسانية. صرت أقدر أولئك الذين يمدون لي أيديهم بمحبة صادقة وأصبحت أعلم أن الامتنان ليس كلمة تقال بل طريقة حياة أن تنظر لمن هم حولك وكأن كل واحد منهم نعمة قد تختفي فجأة.
صحيح أنني فقدت زواجا في الماضي وخسړت الكثير مما كنت أظنه ثابتا لكنني ربحت ما هو أثمن من كل ذلك ربحت فهما عميقا لنفسي وتعلمت معنى الحب الناضج الذي لا يقوم على الامتلاك بل على الحرية والأمان والحضور الحقيقي.
وأخيرا أدركت أن الحياة ليست عادلة دائما وأن القدر قد يحمل إلينا أشياء لا نفهمها في بدايتها ثم نكتشف أنها كانت الطريق الوحيد ليقودنا إلى المكان الصحيح. وأدركت أن الصدق مهما كان مؤلما هو الباب الوحيد إلى السلام الداخلي وأن الطمأنينة لا تأتي من الآخرين بل من قدرتنا على مواجهة أنفسنا أولا.
واليوم حين أنظر إلى الجانب الذي تجلس فيه المرأة التي اختارت أن تبقى رغم كل ما اكتشفته وكل ما خاڤت منه أدرك أنني لم أعد وحدي. وأنني أسير نحو المستقبل إلى جانب إنسانة تختارني كل يوم وتضع يدها في يدي ليس لأنني كامل بل لأنني صادق ولأننا معا نستطيع أن نبني أسرة تقوم على الحب والثقة والاحترام الحقيقي لا على الأوهام التي ټنهار مع أول نسمة ريح.

الصفحة السابقة 1 2

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock