
من تحرّكي أيتها العاجزة إلى لن تقفي وحدك أبدًا: حكاية إميلي وفرسان الحديد
مزيجا من الدهشة والابتسامة المترددة. جلست على حافة السرير وقد ما زال الألم في ركبتيها يذكرها بما حدث عند موقف الحافلة لكن الذكرى الأقوى لم تكن السقوط بل ذلك الطوق البشري من الدراجين وصوت مايك وهو يقول أحدا لا يستحق أن يقف وحده.
نادتها أمها من غرفة الجلوس
إميلي تعالي بسرعة.
جرت عكازيها ببطء كل خطوة صغيرة تصدر صوت نقر لطيف على أرضية البيت حتى وصلت إلى التلفاز. فوجئت بالشاشة تعرض مقطعا قصيرا عند نشرة الأخبار الصباحية مذيعة تتحدث عن فتاة ذات عكازين ونادي دراجين وموقف حافلة ومتنمرين نالوا درسا قاسيا.
ثم ظهر الفيديو.
كانت الكاميرا تهتز قليلا يبدو أنه تصوير بأحد الهواتف لكن الصورة كانت واضحة بما يكفي هي على الأرض ركبتاها داميتان وفتية يضحكون ثم هدير المحركات صف الدراجات الرجل ذو اللحية الرمادية يده وهي تمتد لمساعدتها إصبعه وهو يشير إلى تايلر والفتية وهم يصرخون بالاعتذار.
سمعت صوتها الخافت وهي تقول لماذا توقفتم من أجلي
وسمعت صوته مجددا في التسجيل لأن أحدا لا يستحق أن يقف وحده.
شعرت بقشعريرة تسري في ذراعيها.
نظرت إلى أمها فوجدتها تمسك بيدها الأخرى شاشة الهاتف مفتوحا على أحد مواقع التواصل والواجهة مليئة بعناوين متقاربة
٩٩ دراجا يتصدون لمتنمرين في أوهايو.
نادي فرسان الحديد يدافع عن فتاة معاقة في مشهد مؤثر.
مقطع يبث الأمل هذا ما فعله الدراجون حين رأوا فتاة تهان عند موقف الحافلة.
تحركت أصابع أمها على الشاشة فظهرت التعليقات بالعشرات ثم بالمئات.
كلمات تشجيع قلوب حمراء أيقونات تصفيق رسائل من غرباء لا يعرفونها
أنت قوية يا إميلي.
فخورون بك.
كل الحب لفرسان الحديد أنتم أبطال حقيقيون.
لو كان عندي ابنة لتمنيت أن يكون لديها من يدافع عنها هكذا.
شعرت إميلي أن قلبها يزداد خفقانا.
لأول مرة في حياتها كانت قصتها تروى من زاوية لا تجعلها المسكينة أو الضعيفة بل تجعلها رمزالشيء أكبر رمزا لضعف لا يخجل ولشجاعة رجل قرر أن يقول لا في وجه التنمر.
وضعت أمها يدا حانية على كتفها وقالت بصوت متهدج قليلا
أنا فخورة بك يا إميلي لست فخورة بما حدث بل بالطريقة التي ترفعين بها رأسك الآن.
أطرقت إميلي وعيناها على الشاشة تتنقلان بين صورتها وهي تمسك بالعكاز وبين سيل الكلمات التي تهطل من الغرباء كالمطر الدافئ بعد شتاء طويل.
في ذلك اليوم لم يكن ذهابها إلى المدرسة مجرد روتين. كان الامتحان الثاني.
عند باب المدرسة كانت الأعين ملتفة نحوها نفس الوجوه التي اعتادت أن تتهامس أو تلتفت بسرعة حين تمر الآن تتوقف عندها. همسات مختلفة نظرات مختلفة.
لم تعد تشعر أن كل عين تحمل سخرية مخفية بل شيئا يشبه الاحترام وإن كان مشوبا بالدهشة.
بعض الفتيات ابتسمن لها بخجل حين مرت في الممر. أخرى رفعت يدها بخفة وكأنها تقول لها رأينا الفيديو نحن معك.
شاب كان يمر متعجلا تباطأ فجأة وأفسح لها الطريق ثم همس أحسنت. ولم ينتظر ردا.
في الصف دخلت والمعلم يقف عند السبورة. لحظة صمت غريبة عمت المكان.
ثم قال المعلم وهو ينظر إليها من فوق نظارته
إميلي نحن سمعنا بما حدث.
شعرت أن الأرض تميد بها ولم تعرف ماذا تقول. لم تكن تبحث عن شفقة.
لكن المعلم أضاف بسرعة وكأنه يخشى أن تفهمه خطأ
نحن فخورون بك وبشجاعتك وبشجاعة من وقف معك.
سمعت في أروقة المدرسة أن الإدارة استدعت تايلر وجيك ورايان مع أولياء أمورهم.
سمعت عن عقوبات عن تعهدات خطية عن تعليق مؤقت للدراسة وعن تحقيق في ممارسات التنمر يفتح أخيرا بعد أن كان الجميع يغضون الطرف.
لكن الأهم من ذلك كله لم تعد إميلي شبحا يتجول في الممرات ويحاول ألا يلفت الانتباه.
صارت اسما وقصة وصوتا يحكيه الآخرون وهي تسير بينهم.
ومع ذلك كان في داخلها شيء لا يزال يرتجف.
ذلك الجزء العميق جدا الذي لا تصله كاميرات الهواتف ولا تعليقات الغرباء.
ذلك الركن المظلم الذي يحملذكرى الحادث صدى الزجاج المتكسر الصراخ الضوء الأحمر ثم العكازان اللذان صارا جزءا من حياتها.
ذلك الجزء كان يهمس لها
كل هذا جميل لكنك ما زلت تمشين بصعوبة ما زلت مختلفة.
مرت الأيام القليلة التالية ثقيلا وخفيفا في آن واحد. ثقيلا بحجم التحول الذي يحدث حولها وخفيفا عند كل مرة تشعر فيها أن العالم ولو مؤقتا أقل قسوة.
وفي صباح السبت قبل أن ينقطع أسبوع الحدث سمعت مجددا ذلك الصوت الذي بدأ يرتبط في ذهنها بمعنى جديد للأمان هدير محركات الدراجات.
هذه المرة لم يكن في الشارع العام قرب موقف الحافلة بل أمام بيتها مباشرة.
سحبت الستارة بيد مترددة وكأنها تخشى أن يكون ما تراه حلما.
لكن الواقع كان أوضح من أن يشك فيه.
صف طويل من الدراجات مصطفا على طول الرصيف ألوان مختلفة موديلات متنوعة خوذ معلقة على المقابض سترات جلدية مفتوحة رجال ونساء يقفون يتبادلون النظرات والابتسامات وبعضهم يضع يديه في جيبه بثقة من اعتاد أن يقف في وجه العواصف.
وعند المقدمة كان مايك لوسون واقفا مستندا إلى دراجته الهارلي يحمل باقة من زهور الأقحوان البيضاء.
لم تكن الزهور فاخرة كالورود الحمراء التي تعرض في محال كبيرة لكنها كانت بسيطة دافئة تشبه أرواح الذين لا يتكلفون.
شعرت أمها بالقلق للحظة وهي ترى المشهد فهي أم في النهاية ترى مجموعة من الدراجين بملامح حادة وسترات سوداء أمام بيتها لكن قلبها طمأنها حين تذكرت ما فعلوه في ذلك اليوم.
طرق مايك الباب ثلاث طرقات ثابتة.
تبادل هو وأعضاء النادي نظرات صامتة وكأنهم يقولون قد تشعر بالخوف منا علينا أن نكسر هذا الحاجز بلطف.
فتحت إميلي الباب وظهر نصف وجهها أولا.
ثم فتحت أكثر لترى المشهد كاملا.
رفع مايك الباقة قليلا وقال بابتسامة واسعة
هل تظنين أننا سننسى أمرك مستحيل.
كانت الجملة بسيطة لكنها حملت قدرا من الصدق كفيلا بجعل حلقها يختنق وكأن دمعة واحدة علقت في منتصف الطريقبين العين والقلب ورفضت أن تستمر.
تدخلت الأم في تلك اللحظة ففتحت الباب على اتساعه وقالت وهي تحاول أن تبدو هادئة
تفضلوا شكرا لكم على ما فعلتم لابنتي.
قال أحد الدراجين وهو يخلع خوذته
نحن لم نفعل سوى ما يجب أن يفعله أي إنسان.
تبادل الجميع التحية وبعضهم اكتفى برفع اليد أو الإيماء بالرأس احتراما.
لم يكن أحدهم يحاول أن يتصرف كبطل خارق كانوا يبدون عاديين.
لكن هذا العادي بالنسبة لهم كان استثنائيا بالنسبة لإميلي.
جلس مايك في غرفة الجلوس واضعا الباقة في المزهرية التي أحضرتها الأم على عجل.
ظلت إميلي واقفة لدقائق قبل أن تجلس على الأريكة المقابلة عكازاها يميلان على جانبها كأنهما يستمعان أيضا.
سألته أمها
لماذا كل هذا العناء لقد اكتفيتم بما فعلتم أنقذتمها من موقف صعب وهذا يكفي.
هز مايك رأسه نافيا
لا سيدتي الوقوف في لحظة واحدة جميل لكنه لا يكفي لإصلاح ما صنعه التنمر لسنوات. الألم لا يزول في يوم أو يومين. نحن جئنا لنقول لها إن تلك اللحظة ليست استثناء بل بداية.
نظرت إميلي إلى يديه خشنتين من العمل عليهما آثار شحم وندوب صغيرة علامات حياة مليئة بالمجهود والتجارب والخسارات والانتصارات الصغيرة. رجل مثل هذا يعرف معنى أن تسقط وتنهض مرات عديدة.
منذ ذلك اليوم لم يعودوا مجرد رجال على دراجات مروا في حياتها كعاصفة جميلة ورحلوا.
صاروا جزءا من يومياتها.
كانوا
يزورون منزلها بين حين وآخر.
أحدهم يتقدم ليصلح شيئا في المطبخ. آخر يتفقد بعض الأسلاك القديمة. ثالث يصر على أن يتكفل بأجور إصلاح باب حديدي صدئ. كان البيت البسيط يصبح أكثر دفئا مع كل زيارة ليس بسبب ما يتغير في الجدران بل بما يتغير في الشعور بداخله.
في الأيام التي يشتد فيها البرد ويغطي الجليد أرصفة الحي كان مايك أو أحد أعضاء النادي يرسل رسالة قصيرة
جاهزة للمدرسة سنوصلك اليوم.
فتخرج لتجد دراجتين أو ثلاثا عند الباب وسيارة صغيرةتابعة لأحدهم لمن لا يستطيع ركوب الدراجة. كانوا يرفضون تماما أن تمشي وحدها في





