قصص قصيرة

يقول صاحب المطعم

قصة من قلب دمشق وجبة واحدة غيرت حياتي
في أحد أحياء دمشق القديمة حيث تفوح رائحة الياسمين وأصوات الباعة تتداخل مع نغمات العود في المقاهي الشعبية كنت أدير مطعمي الصغير الذي لطالما اعتبرته حلمي الكبير. لم تكن الأوضاع الاقتصادية سهلة وكنت أمر بمرحلة صعبة جعلتني أفكر جديا في بيع المطعم.
في أحد الأيام وبينما كان الزبائن مصطفين في طابور الطلبات لفتت انتباهي سيدة متواضعة الهيئة تقف في الصف ولكن كلما جاء دورها كانت تقول بلطف معلش مشي غيري. استمر ذلك حتى لم يبق أحد غيرها. حينها اقتربت مني وسألتني بصوت بالكاد يسمع
كم سعر أصغر وأرخص وجبة لديك
أخبرتها بالأسعار فأخرجت كل ما لديها من نقود وعدتها بحذر ثم شكرتني بلطف وهمت بالمغادرة. شعرت أنهناك أمرا غير عادي فناديتها وسألتها
لمن تريدين شراء الوجبة ولماذا اخترت هذا المطعم رغم أسعاره
تنهدت بحزن ثم ابتسمت ابتسامة امتزجت بالدموع وقالت
ابني نجح اليوم في مدرسته وتفوق على أصدقائه كنت قد وعدته بأنه إذا تفوق سأحقق له الحلم الذي يطلبه مني دائما عندما يمر أمام مطعمك وقد تحقق حلمه اليوم.
شعرت بغصة في حلقي رأيت في عينيها أمومة صادقة ممزوجة بعزة نفس لم تسمح لها بأن تطلب حسنة من أحد. قلت لها بحماس
يا خالة الآن تأتين أنت ومن تحبين وتطلبين ما تشائين من الطعام هذه هدية مني لك.
في البداية رفضت لكنها أمام إصراري وافقت أخيرا. لم أكن مستعدا للمشهد الذي رأيته لاحقا فرحة ابنها كانت لا توصف! كان يلتقط الصور في كل زاوية من المطعم وكأنهفي رحلة إلى عالمه السحري. لم أكن أعلم أن مجرد وجبة بسيطة قد تعني لشخص ما حلما طال انتظاره.
مضى أكثر من شهر على تلك الحادثة حتى فوجئت بزيارة غير متوقعة دخلت المطعم نفس السيدة لكن هذه المرة كانت ترتدي ثيابا أنيقة ومختلفة تماما. وقفت أمامي وابتسمت قائلة
هل تذكرني
أجبتها مباشرة بالطبع كيف أنساك
ابتسمت وقالت
الآن جاء دوري لأرد لك المعروف!
استغربت وقلت ماذا تقصدين
تنهدت ثم أكملت
ما حدث منذ شهر لم يكن إلا تجربة لكنك كنت أنت الشخص الذي وضعه الله في طريقي أنا عدت إلى سوريا منذ شهرين فقط بعد أن اكتشفت أنني أعيش أيامي الأخيرة بسبب مشاكل في القلب. لم يرزقني الله بزوج أو ولد وكنت أبحث عن عمل خيري يكون لي صدقة جارية بعد وفاتي. الولد الذيكان معي لم يكن ابني بل أحد أطفال الحي الفقراء وكان جائعا يتمنى أن يأكل من مطعمك فشعرت أن هذه إشارة لاختبارك أنت بالذات.
وقفت مذهولا مما أسمعه وازدادت دهشتي عندما قالت لي
لقد قررت أن أضع كل ما أملك من شركات وأموال باسمك ليكون جزء كبير من أرباحها للفقراء والأعمال الخيرية.
لم أصدق ما أسمعه شعرت وكأنني في حلم أو مشهد من فيلم سينمائي! كيف يمكن أن تتحول وجبتان اعتبرتهما صدقة إلى شركة كاملة أديرها إلى جانب مطعمي!
اليوم لم يعد مطعمي يواجه أزمة مالية بل أصبح جزءا من مشروع خيري كبير يساعد الفقراء والمحتاجين كل ذلك بسبب موقف بسيط وقلب صادق اختبرني في لحظة لم أكن أعلم أنها ستغير حياتي بالكامل.
العبرة
لا تستهين أبدا بأي فعل خير فقد يكونمفتاحا لرزق لم تتخيله يوما.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock