قصص قصيرة

المشرد

إنتي ساكنة فين يا مريم
ترددت قليلا
في منشية ناصر قريب من الشارع الرئيسي.
هز رأسه بتفكير ثم قال
ده بعيد جدا عن هنا والوقت بقى متأخر.
ثم أضاف بلهجة حاسمة
هسلمك لحد ما تطلعي تاكسي آمن أوصلك بعربيتي لو وافقتي.
رفعت يدها سريعا كأنها تخاف من طلبه
لا لا مش لازم والله. أنا هعرف أرجع.
ابتسم لكنه رأى ما تخفيه عيناها.
الخوف.
القلق.
الحرص على سمعتها.
وعزة النفس.
فقال بنبرة متفهمة
ما قصدتش أي إحراج بس سلامتك أهم.
ثم خرج معها حتى باب الشركة وأوصى الحارس
تركب تاكسي مضمون وتتابع العربية لحد ما توصل.
لم تفهم كيف استطاع أن يكون لطيفا بهذا القدر دون تجاوز.
وفي الطريق إلى المنزل
كانت الجلسة في التاكسي هادئة لكن عقلها لم يهدأ.
هل سيعاملني الجميع بتحيز الآن
هل سيظن زملائي أن بيني وبينه شيء
وهل تصرفاته عفوية أم مقصودة
كل الأسئلة دارت في رأسها حتى وصلت المنزل.
استقبلتها أمها ولاحظت توترها فسألتها
مالك يا بنتي
جلست مريم وأخبرتها بكل ما حدث.
سمعت الأم كل التفاصيل ثم قالت كلمة علقت في قلبها
مش كل يوم يا بنتي بتقابلي حد يختبر إنسانيتك ويمتحن قلبك.
ثم نظرت إليها نظرة أم تعرف الدنيا جيدا
ومش كل راجل محترم يبقى نيته وحشة يمكن ربنا باعتلك باب خير.
لم تجب مريم لكنها لم تستطع أن تنكر أن قلبها ارتجف عند آخر جملة.
اليوم التالي المفاجأة التي هزت الشركة
في الصباح دخل الموظفون ووجدوا إعلانا كبيرا على لوحة الإعلانات
تعيين مريم عبد المحسن مساعدة للمدير التنفيذي سامرفؤاد
فوقعت الصدمة على الجميع.
وعندما وصلت مريم وجدت العيون تلاحقها والهمسات تنتشر كالنار.
لكن قبل أن تفتح فمها خرج سامر من مكتبه ونادى بصوت واضح
أستاذة مريم تفضلي معايا.
دخلت خلفه وهي ترتعش.
جلس هو خلف مكتبه وقال بنبرة حاسمة
المنصب ده استحقاق مش منة. وعايزك تكوني ثابتة وما تسمعيش لكلام الناس.
ثم اقترب قليلا وقال
أنا محتاجك في مشروع مهم مشروع هيغير الشركة كلها.
رفرفت رموشها باضطراب
بس ليه أنا
ابتسم وقال
علشان شوفت فيك اللي ما شوفوش في كتير غيرك.
ثم أضاف بلهجة هادئة لكنها تحمل معاني كثيرة
الصدق والإنسانية والجرأة وقت اللزوم.
لحظة لم تتوقعها
وقفت لتخرج لكنه ناداها
مريم
التفتت.
كانت نظرته هذه المرة مختلفة.
ليست نظرة مدير لموظفة ولا رجل لرجل.
بل نظرة شخص يرى شيئا ثمينا يخاف أن يفقده.
قال بخفوت
لو في يوم حسيتي إني بضغط عليكي قوليلي. أنا مش عايزك تخافي مني.
ارتجف صوتها
أنا مش خايفة.
سألها ببطء
متأكدة
نظرت في عينيه ولأول مرة لم تهرب.
متأكدة.
ابتسم ثم قال
كويس لأن اللي جاي أهم بكثير من كل اللي فات.
وهنا يبدأ الجزء الأخطر من القصة
ما لم تكن تعرفه مريم هو أن سامر لم يكن مديرا عاديا.
ولا رجلا بسيطا اختبر صدفتها الطيبة.
بل رجل يملك أسرارا
وحياة مزدوجة
وماض يخفيه الجميع
وأن اختيارها لم يكن صدفة
بل بداية لشيء أكبر بكثير مما تتخيله.
يتبع
في مساء هادئ بعد أسبوع من ترقية مريم كانت تجلس في شرفة شقتها الصغيرة في منشية ناصر. الشارع تحتها خافت الأضواءوضوء القمر خفيف على البلاط القديم. قلبها مرتاح لكنها تشعر بأن شيئا ما تغير بداخلها شيء كبير.
فجأة رن هاتفها. كانت رسالة من رقم مجهول. فتحتها ببطء. نصها كان بسيطا
لا تنسي كل معروف يرد. سامر.
ابتسمت مريم ثم شعرت بقشعريرة خفيفة.
هل هو تهديد أم تذكير جميل
وضعت الهاتف على الطاولة ثم تنفست بعمق. قررت أن تسترخي لكن عقلها لم يهدأ.
مشهد في مكتب سامر
في اليوم التالي دخلت مريم مقر الشركة كما كل يوم. الغرفة كانت هادئة لكن صمتها كان مليئا بالتوقع.
وجدت سامر جالسا عند مكتبه ينظر إلى شاشة كمبيوتر لكن شعر أن عينيه تنظر إليها.
رفع رأسه وقال بابتسامة خفيفة
مساء الخير مريم.
أجابته بوقار مساء الخير يا أستاذ سامر.
ثم مد يده نحوها ليس بورق عمل بل بورقة صغيرة ملفوفة بشريط بسيط.
ده مشروع جديد وعايزك تكوني معايا من البداية.
فتحت الورقة بيد مرتجفة. كان عنوان المشروع مبادرة مساعدة أسر محتاجة.
نظر إليها بجدية
أنا عايز أقدم جزء من أرباح الشركة سنويا لدعم أمهات وأطفال زي اللي ساعدتيه أنتي من كام يوم. وأنت سيكون لك دور رئيسي لأنك فاهمة معنى مساعدة من قلبك.
دمعت عينا مريم ليست من خوف بل من شعور قوي بأنها دخلت دورة حياة جديدة ليست مجرد وظيفة بل رسالة.
لحظة مواجهة الماضي
بعد أيام بينما كان اللقاء الأول لفريق المبادرة دخل رجل في منتصف الاجتماع ملامحه جمعت بين الهيبة والحذر.
نظر إلى الحاضرين بعينين رصينتين ثم كشف عن نفسه
أنا عم حسن أبو الست اللي كان محتاج مساعدةأول
يوم.
ارتجفت الممرات في قلب مريم وتذكرت الشارع الليلة الهاتف الرجل المرهق.
وقف عم حسن وقال بصوت مملوء بالامتنان
الست مرت بأزمة كبيرة والمساعدة دي أنتم أنقذتوا أول خطوة في أمل جديد. ربنا يبارك فيكم.
بدأ الجميع يصفق لكن مريم لم تصفق بل بكت بصمت.
فهمت أن ما فعلته لم يكن تصرفا عابرا بل كان سببا في إنقاذ كرامة وحياة.
وداع الماضي وبداية الأمان
مرت أسابيع وبدأ المشروع في توزيع مساعدات طعام إرسال أولاد للمدارس زي أطفال لكل أسرة كان محفورا في قلب مريم ومنظم بدقة من سامر.
وأصبحا يعملان معا كل يوم.
ومع الوقت تغير احترام الناس لهما.
زملاء الشركة بدأوا ينظرون لمريم بنظرة تقدير.
أمهات الأطفال انتشلتهن الفرحة.
أما مريم فقد شعرت بشيء جديد كرامة.
كرامة أن تعيش بسهولة تفكير أن تضحي من قلبك أن ترى أثر يدك في حياة إنسان.
نظرة في المرآة
في ليلة من ليالي الشتاء نظرت مريم في المرآة.
رأت امرأة مختلفة عينان فيهما حنان كتفان أقوى وقلبا عرف معنى الخير.
همست في نفسها
أنا مش بس موظفة أنا أمل.
وبنظرة ثابتة عبرت
وأنا أختار الخير مش الصدفة.
خاتمة نهاية مفتوحة وأمل دائم
القصة لم تنته بنقطة خاکسة.
بل تركت مفتوحة لأن الخير لا ينتهي.
مريم الآن تعرف أن
كلمة طيبة ممكن تغير حياة إنسان.
فعل صغير ممكن يكون بداية مشروع كبير.
الصدق والإنسانية مش ضعف. بل أرقى صفات.
سامي المدير الذي اختبر إنسانيتها أصبح شريكها في رسالة.
وللعالم رسالة لما تفتح قلبك ربنا بيكمل بخير.
ومنشرفة شقتها الصغيرة تحت ضوء القمر نظرت نحو السماء وابتسمت.
لأنها مؤمنة أن الخير مهما بدا بسيطا يزرع نعمة تدوم للأجيال.
النهاية.

الصفحة السابقة 1 2

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock