قصص قصيرة

الجميع خاف منها… إلا هو الحقيقة المرعبة خلف الفتاة التي أخفت سرّ الأفعى

حولها انزلقت أفاع صغيرة شفافة كأنها صنعت من ضباب تلوح بألسنتها في الهواء.
شهق إيميكا
آداورا!
رفعت رأسها مذعورة
اذهب! أرجوك!
سألها وهو يكاد لا يصدق ما يرى
ماذا يحدث لك
صرخت وهي تبكي
لا أستطيع إيقافه إنه يستيقظ!
وتحول صوتها للحظة إلى فحيح خشن. ارتجف جسدها وظهرت على عنقها تموجات تشبه الحراشف قبل أن تختفي. ضاقت حدقتاها كشقين.
صرخ داخله يأمره بالهرب لكنه لم يهرب. تقدم خطوة.
قال لها بثبات يحاول صنعه
اسمعيني يا آداورا تنفسي.
بكت وهي تهز رأسها
لا تلمسني! سأؤذيك!
لكنه مد يده رغم ذلك وأمسك يدها.
في اللحظة التي تلامست فيها بشرتهما اندفعت صدمة كأنها موجة كهرباء. انحنت ألسنة اللهب في الشموع إلى الداخل وارتفع فحيح الأفاعي ثم بدأ الضوء يخفت شيئا فشيئا.
هدأ تنفس آداورا. تلاشى التوهج من عينيها. وسقطت بين ذراعيه منهكة لكنها حية.
ظلا طويلا بلا كلام. كان المطر يطرق النوافذ كطبول قدر لا يرحم.
همست أخيرا بصوت مرتجف
الآن أنت تعرف.
ضمها إيميكا برفق وقال
لا يهمني ما أنت. ما زلت آداورا.
هزت رأسها بعجز
أنت لا تفهم أنا ملعونة.
قال ببساطة كأنها الحقيقة الوحيدة
إذن دعيني أشاركك هذه اللعنة.
انهمرت دموعها على قميصه. وللمرة الأولى منذ سنوات سمحت لنفسها أن تحتضن دون مقاومة.
حين انقشع المطر عادت ماما نغوزي. وجدتهما جالسين قرب الموقد آداورا شاحبة لكنها هادئة وإيميكا ما يزاليمسك يدها. تنهدت الجدة بعمق.
قالت
إذن لقد بدأ الأمر.
وقف إيميكا مرتبكا
يا سيدتي لم أقصد التطفل.
لوحت الجدة بيدها
لا حاجة للاعتذار. إن سمحت الأفعى لك أن تلمسها وتبقى حيا فربما كانت النبوءة صادقة.
ردد إيميكا
نبوءة
جلست الجدة على كرسي قديم وقالت
سلالتنا تعود إلى إيكه ننيكا إلهة الأفعى التي كانت تحرس الينابيع المقدسة. منذ زمن بعيد أحبت رجلا من البشر صيادا أنقذ حياتها. لكن اتحادهما كان محرما. وحين علمت الآلهة لعنتهما كل ابنة تولد من نسلها تحمل روح الأفعى في داخلها ممزقة بين امرأة وأفعى. ولا تروض هذه الروح إلا إذا وجدت رجلا نقي القلب.
خفق قلب إيميكا
وتظنين أنني أنا ذلك الرجل
قالت الجدة بهدوء
أنا لا أظن. الأفعى هي التي اختارتك.
اتسعت عينا آداورا
لا! لن أجره إلى هذا الطريق!
قالت الجدة بلطف قاس
لقد جررته بالفعل. القدر لا يطلب إذنا.
في الأيام التالية اقتربت آداورا وإيميكا أكثر. علمته التراتيل القديمة التي تستخدمها جدتها لتهدئة الأفعى وعلمها هو أن تضحك وأن تتذكر كيف تكون إنسانة دون خوف دائم.
لكن الخطر بدأ يتحرك. في القرية المجاورة انتشرت أخبار عن أضواء غريبة قرب بيت آداورا. استيقظت الخرافات القديمة. صار البعض يتهامس باسمها بخوف فتاة الأفعى الملعونة.
وفي مساء تجمع رجال عند سور البيت يحملون مشاعل.
قال أحدهم
إنها ليست بشرا. يجب تطهير البلدة.
سمع إيميكاالأصوات أولا فهرع إلى الداخل
آداورا يجب أن نذهب الآن.
وقبل أن يتحركا تحطم زجاج النافذة بحجر وتعالت صرخة
ساحرة!
تقدمت الجدة بعصاها وقالت
لن تؤذوا طفلتي.
رفع رجل مشعله
رأينا عينيها تتوهج! إنها شيطان!
وقف إيميكا بجانب الجدة
ليست شيطانا! إنها مختلفة فقط!
صرخ رجل
ابتعد أيها الفتى!
ثم طار مشعل وسقط قرب الباب. اشتعلت الستائر في لحظة. امتلأت الغرفة بالدخان.
وضعت آداورا يدها على رأسها وهي تلهث. كان شيء في داخلها يزمجر. صاحت
إيميكا اخرج!
قال وهو يقترب منها
لن أتركك.
ارتجف جسدها ولمعت الحراشف على ذراعيها. هبط صوتها إلى فحيح مخيف
إن فقدت السيطرة سأقتلهم جميعا!
أمسك وجهها بين كفيه وقال بثبات
إذن ركزي علي.
للحظة واحدة سكنت الأشياء كلها النار الصراخ الفوضى. التقت عيناها بعينيه. اندفعت قوة الأفعى لكن وجوده ثبتها كما يثبت المرساة سفينة في العاصفة.
ثم فعلت آداورا ما لم تفعله من قبل سمحت للقوة أن تصعد دون خوف.
انفجر ضوء أخضر غامر في المكان فانطفأت النار كأن الضوء ابتلعها. وفي الخارج سقط الرجال على ركبهم وانطفأت مشاعلهم.
وحين تلاشى الضوء كانت آداورا واقفة بلا أذى وعيناها تلمعان بذهب يحيط بها حضور يشبه حضور ملكة.
خرجت إلى الساحة. ارتجف القوم.
قالت بصوت عميق هادئ قديم
أنا لست عدوتكم. هذه اللعنة عبئي أنا لا عبء عليكم. لكن إن آذيتم عائلتي مرة أخرى فالأفعى ستتذكر.
أسقط الرجال مشاعلهم وفروا في العتمة.
بعد تلك الليلة تغير كل شيء. لم يعد أهل البلدة يسخرون من آداورا. بعضهم صار يتجنبها وبعضهم صار يهمس بالدعاء حين تمر لا يعرف أهي بركة أم تحذير.
أما آداورا فكان سلامها هشا. في كل بدر كانت قوة الأفعى تزداد. وكانت تخشى يوما لا تكفي فيه كلمات إيميكا.
وفي مساء هادئ تحت شجرة المانجو التي شهدت أول حديث بينهما قالت له
يجب أن ترحل قبل فوات الأوان.
تجهم وقال
لن أرحل.
همست
رأيت شيئا في أحلامي الأفعى قالت إن الحب له ثمن.
قال بثبات
سأدفعه.
تلألأت الدموع في عينيها
إن فقدت السيطرة ستحتاج الأفعى حياة لتوازن حياتي.
مد يده وأمسك يدها
فلتأخذ حياتي.
شهقت
إيميكا
قال بصرامة رقيقة
أنا جاد. أنت أنقذتني يوما من خوفي ومن خواء حياتي. إن كان الموت ثمن بقائك فسأدفعه ألف مرة.
دفنت وجهها في صدره وهي تبكي. تحركت الأفعى داخلها لكنها هذه المرة لم تفح. كانت كأنها تخرخر.
وفي يوم ميلاد آداورا السابع عشر ارتفع القمر أحمر كالدم. جمعت الجدة الأعشاب وبدأت تترنم
هذه الليلة تقرر مصيرها.
تمددت آداورا على حصير ترتجف وهي ترى الضوء يموج تحت جلدها. لمع الهواء بقوة غير مرئية وظهرت أفاع من الظل والنور.
ركع إيميكا بجانبها ممسكا يدها
أنا هنا.
صرخت آداورا وتقوس جسدها وظهرت الحراشف على ذراعيها وعنقها. لمع شعرها كذهب منصهر.
صرخت الجدة
لا تقاوميها اقبليها!
فتحتآداورا عينيها كان توهجهما شرسا
لا أستطيع!
اقترب إيميكا وهمس
تستطيعين. أنت أقوى من هذه اللعنة.
ثم فعل ما

الصفحة السابقة 1 2 3الصفحة التالية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock