
الليلة التي غيّرت قلب المليونير
لم يعرف أليخاندرو كيف عبرت تلك الساعات بين لحظة قراره ولحظة تظاهره بالنوم. كان الليل صامتا إلا من همسات الريح وهي تمر على نوافذ القصر العالية. تمدد على الأريكة في مكتبه المكسو بالخشب الداكن وأغلق عينيه تاركا ضوء المدفأة يرسم ظلالا متراقصة على وجهه. أراد أن يعرف إن كانت تلك الفتاة الخجولة التي تعمل بصمت طيلة اليوم تخفي خلف هدوئها شيئا آخر. كان عقله المتعب يبحث عن أي دليل على أن العالم ما زال نقيا أن هناك إنسانا يمكن الوثوق به دون مقابل.
سمع خطواتها الخفيفة تقترب كأنها تخشى أن توقظ الليل نفسه. كانت تحمل أدوات التنظيف ثم توقفت فجأة حين رأته نائما. صمتت وكأنها وجدت نفسها أمام مشهد لا ينبغي أن تكون فيه. ظل مستلقيا يتنفس ببطء وعيناه شبه مغمضتين يراقبان ما ستفعله. كانت لوسيا تقف مترددة نظراتها تتنقل بينه وبين المدفأة التي بدأت تنطفئ. ثم وضعت ما في يدها على الطاولة بهدوء واتجهت إلى الأريكة بخطوات حذرة.
مدت يدها المرتجفة وسحبت الغطاء الذي كان ملقى على المقعد ثم غطته به بعناية كما تغطي الأم طفلا غلبه النوم قبل أن يصل إلى سريره. ارتجف قلب أليخاندرو للحظة شعر بدفء غريب يمر في صدره إحساس لم يعرفه منذ سنوات. همست لوسيا بصوت خاڤت بالكاد سمع سيدي لا يجب أن تنام هنا الجو بارد. ثم أضافت وهي تنظر إلى وجهه النائم أنتم الأغنياء تظنون أن التعب لا يزوركم لكنه يفعل فقط لا يعترف بكم.
كاد يفتح عينيه ليحدثها لكنه تراجع كأن صوتها اخترق جدار الغرور في داخله. لم تكن كلماتها جريئة ولا متعدية بل كانت صادقة حد الألم. شعر أنها لا تتحدث إليه كمليونير بل كإنسان متعب يحتاج أن يتذكر أنه ما زال بشړا. ابتعدت لوسيا ببطء لتغادر الغرفة لكنه لمحها وهي تتوقف أمام البيانو القديم في الزاوية. جلست للحظة مررت أصابعها على المفاتيح دون أن تعزف ثم أغلقت الغطاء بلطف كما لو أنها تخاف أن تزعج أحدا ينام بداخله.
تلك اللمسة الصغيرة كسرت شيئا في قلبه. كان ذلك البيانو تحديدا جزءا من ذكرياته القديمة كانت والدته تعزف عليه كل مساء قبل أن ترحل. منذ ۏفاتها لم يقترب منه أحد ولم يجرؤ هو على لمسه. وها هي لوسيا تتعامل معه وكأنه شيء حي يحتاج إلى احترام لا إلى تنظيف. شعر أنه يرى نفسه من بعيد رجل يملك كل شيء لكنه فقد القدرة على الشعور بأبسط ما في الحياة من دفء.
في الصباح استيقظ مبكرا أكثر من العادة. وجد الغطاء مطويا على الكرسي والطاولة مرتبة بعناية وكوب القهوة الساخن في مكانه المعتاد. لم تترك أثرا سوى عبير خفيف يشبه زهور اللافندر. جلس على الأريكة متفكرا ثم نادى





