قصص قصيرة

قدّمها كـ موظفة صغيرة لكن صديق والده كشف هويتها الحقيقية أمام الجميع

أنت
خرجت الكلمة من فمه وكأنها أثقل من أن تقال كأنها تحمل في آخرها كل السنوات التي لم يكلف نفسه فيها أن يسألني حقا من أنت
توقف الزمن للحظة.
لم أسمع صوت الشواية ولا همسات الرجال ولا صرير الكراسي على العشب.
كل ما سمعته كان خفقان قلبي وهديرا بعيدا في صدري يشبه صوت الأمواج حين تصطدم بسفينة في منتصف الليل.
لم أتحرك.
لم أقترب.
لم أبتعد.
اكتفيت بأن أنظر إليه نظرة هادئة ثابتة تخلت عن كل محاولة لإرضائه وتمسكت فقط بحقي في أن أرى كما أنا.
راينز كان ما يزال واقفا باستقامة عسكرية كاملة وعيونه تراقب المشهد بحذر رجل اعتاد أن يكون شاهدا على لحظات فاصلة لكن نادرا ما يكون طرفا فيها.
أحد الرجال في الخلف سعل بخجل ثم تظاهر بأنه ينظر إلى كوبه.
آخر أشاح بوجهه وكأن المشهد أكبر من احتماله.
أما أبي فظل معلقا بين السؤال والإجابة بين الصورة التي رسمها لي في رأسه والحقيقة التي وقفت أمامه بزي أبيض ونجمات على الكتفين.
أنت أدميرال
قالها أخيرا كمن يختبر الكلمة على لسانه لأول مرة.
لم أجيبه فورا.
لم أندفع لأشرح لم أهرع لتخفيف الصدمة عنه لم أعتذر لأنني تجرأت وخرجت عن إطار الموظفة الصغيرة الذي صنعه لي.
فقط قلت بهدوء
أنا ضابط في البحرية نعم. ورتبتي أعلى بكثير مما كنت تظن.
تحركت عضلة في فكه.
شيء بين الذهول والغرور المجروح والخجل المتأخر.
تدخل راينز بصوت منخفض وكأنه يحاول أن يمد جسورا بين عالمين مختلفين
سيدي ابنتك ليست فقط ضابطا عاديا. إنها أدميرال في القوات البحرية الخاصة. جزء من وحدات عادة لا يسمح لنا حتى بأن ننطق أسماءها في الأماكن المفتوحة.
نظر إليه أبي بعدم تصديق
أدميرال
أومأ راينز.
ثم أضاف وهو يحدق في الوشم على ساعدي
الوحدة سبعة وسبعون ليست وحدة يعرفها المدنيون. حتى بين العسكريين قلة فقط يسمعون هذا الرقم. ومن سمعه لا ينساه أبدا.
جملة لا ينساه أبدا طافت في الهواء مثل اعتراف.
ابتلع أبي ريقه واستند بيده إلى أقرب طاولة خلفه.
تشبث بحافتها وكأنها آخر شيء ثابت في عالم بدأ يهتز من جذوره.
لكن لكنك قلت إنك تقومين فقط بأعمال تنسيق وملفات وأوراق
قالها كما لو أن كل ما بناه من تصورات عني ينهار الآن في لحظة واحدة.
نظرت إلى عينيه مباشرة وقلت
لم أكذب يا أبي. كنت أقوم بالتنسيق لكن ليس بين ملفات وموظفين. كنت أنسق بين وحدات وعمليات وحدود وحروب كاملة. كنت أوقع أوامر يبنى عليها مصير رجال وربما دول.
فتح فمه ليقول شيئا ثم أغلقه.
كأن الكلمات خانته فجأة.
الرجال الآخرون بدوا غير مرتاحين.
هذا ليس نوع المشاهد الذي يتوقعونه في حديقة خلفية وسط رائحة اللحم المشوي وأحاديث الصيد القديمة.
تقدم أحدهم وقال مرتبكا
ربما يجب أن نترك لكم بعض الخصوصية.
لكن أبي رفع يده فجأة وقال بصوت مبحوح
لا ابقوا.
كانت حركة غريبة منه لكنها صادقة.
كأنه أراد شهودا ليس على رتبتي بل على اعترافه المتأخر بأنه لم يكن يعرف ابنته.
الټفت إلي مجددا وحدق بي طويلا.
في نظراته خليط غريب من الفخر والصدمة والندم والخۏف من أن يكون قد خسر شيئا لا يعوض.
لماذا لم تخبريني من قبل
سأل أخيرا بصوت أقل ما يقال عنه إنه مكسور.
ترددت لحظة ثم قلت
لأنك يا أبي لم تسأل أبدا سؤالا حقيقيا.
رمشت عيناه مرات متتالية.
كأنه تلقى صڤعة من الحقيقة لا من يدي بل من تراكم سنوات كاملة من التجاهل المغلف بالمزاح.
كنت تقول لكل من يقابلك ابنتي موظفة صغيرة تعمل في الأوراق والتنسيق شيء آمن بعيد عن الخطړ. ولم تحاول مرة واحدة أن تسأل ما الذي تفعلينه حقا أين تذهبين ماذا يعني أن تعودي

1 2 3 4الصفحة التالية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock