قصص قصيرة

ثلاثة عشر عامًا من الصمت إلى أن فتح فتى فقير عيني الحقيقة

كانت ابنةَ ملياردير، وُلدت مشلولة بالكامل من الرأس حتى أخمص القدمين، وعلى مدى ثلاثة عشر عامًا ظلّ العالم يعتقد أن حالتها لغزٌ طبيٌّ مأساويٌّ يستحيل علاجه أو حتى فهمه بشكل صحيح.

والدها، غريغوري تالبوت، المعروف عالميًّا بإمبراطوريته التجارية القاسية وبروده العاطفي الحديدي، أنفق ملايين الدولارات باحثًا عن أطباء مختصين، وأجهزة متطورة، وخبراء في علم الوراثة، علّ أحدًا منهم يستطيع أن يفسّر لماذا ظلّت ابنته الوحيدة متجمّدة كأنها تمثال.

وعلى الرغم من الثروة الهائلة التي أُغرقت في الأبحاث، لم يجرؤ أيّ مختصّ على معارضة التشخيص الرسمي، بل ادّعى كثير منهم أن حالتها لا رجعة فيها، ليترسّخ مصير الفتاة كرمزٍ لـ“امتيازٍ مأساويّ” لا أمل في تغييره.

لكن كل شيء تغيّر في اليوم الذي دخل فيه فتى فقير يُدعى إلياس، يعمل مساعدًا للبستاني ولا يملك أي تعليم رسمي، إلى الجناح الممنوع في قصر تالبوت، ولاحظ شيئًا لم يجرؤ أحد من قبله على السؤال عنه.

رأى عيني الفتاة تتبعان ورقة شجرٍ تسقط خارجالنافذة، تفصيلًا يبدو مستحيلًا، وقد غاب عن أنظار عشرات الأطباء الذين لم يتخيّلوا أصلًا أن طفلة مشلولة يمكن أن تُظهر مثل هذه الحركة الدقيقة الواعية.

وحين أخبر إلياسُ أفراد الطاقم بما رآه، سخروا منه بقسوة، واتهموه باختراع القصص ليشعر بأهميةٍ مزعومة، لكن صورة عينيها وهما تلاحقان الورقة ظلّت تطارده بلا رحمة.

مدفوعًا بحدسٍ كان أقوى من الخوف، عاد إلياس سرًّا في اليوم التالي، حاملًا مرآة صغيرة سرقها من مخزن البستاني، ليراقب إن كانت عيناها ستتفاعلان مرّة أخرى في حضوره الهادئ.

لدهشته، تحوّل بصرها عمدًا نحو انعكاس المرآة، في حركةٍ دلّت على وعيٍ ونيةٍ واضحتين، ونسفت كل ما اعتقده العالم عن شللها المزعوم.

أدرك إلياس أن الفتاة ليست واعية فحسب، بل تحاول بشكل يائس أن تتواصل، محاصرة داخل جسدٍ يرفض الاستجابة بينما كل من حولها أعمى عن صراخها الصامت.

هذا الاكتشاف أشعل في قلب إلياس عاصفةً من المشاعر المتضاربة؛ فقد فهم أن كشف الحقيقة قد ينقذ حياتها… أو يطلق سيلًا من العواقب التيلا يمكن تخيّلها من عائلة اشتهرت بسحق كل ما لا تستطيع السيطرة عليه.

وعندما عاد في المرّة الثالثة، رمشت الفتاة مرتين، كأنها ترجوه ألّا يرحل، فخلق ذلك بينهما رابطًا قويًّا جعل إلياس يشعر بأنها سلّمته أضعف وأغلى حقيقة في وجودها.

بدأ يجرب إشارات بسيطة: يرفع أصابعه، يحرك أشياء أمامها، يهمس بأسئلة قصيرة، ومع الوقت، بدأ يفكّ شفرة لغة من الرفيف وحركات العين، سمحت لها أخيرًا أن تعبّر عن سنوات طويلة من الأفكار المدفونة.

وفي أحد المواقف المروّعة، بدأت ترمش بسرعة حين سألها إن كان أحدهم قد تعمّد تضليل الأطباء، في إشارةٍ إلى أن شللها قد لا يكون حالة طبية طبيعية، بل شيئًا أكثر ظلامًا وإثارةً للرعب.

اكتشف إلياس علامات خفيفة على ذراعيها، ثقوبًا صغيرة مخفية تحت الأكمام الطويلة، فأثار ذلك في نفسه أسئلة مخيفة عمّا إذا كانت قد حُقنت بأدوية تجعلها في حالة شلل تام، للإبقاء على رواية معيّنة تخدم مصالح شخصٍ صاحب نفوذ.

انتشرت الشائعات بسرعة بين الخدم بعدما سمعت خادمة إلياس يتحدث إلىالفتاة، وسرعان ما غصّ القصر بالهمسات عن أطباء تمّ رشوتهم أو تهديدهم للالتزام بالصمت.

بعض العاملين زعم أن غريغوري تالبوت كان بحاجة إلى تعاطفٍ عامّ ليمهّد لصفقة دمجٍ تجارية، فيما همس آخرون بأن إبقاء ابنته عاجزة يمنحه السيطرة في نزاعٍ على الميراث مع خصومٍ من العائلة نفسها.

وعندما اكتشف الأمن وجود إلياس في الجناح المحظور ذات مساء، اقتيد بعنف إلى غرفة تحقيق، حيث طالبه مدير عمليات تالبوت أن يعترف بمن أرسله إلى غرفة الفتاة.

رفض إلياس أن يخون الرجاء الصامت في عيني الطفلة، لكن صمته المرتبك لم يؤدِّ إلا إلى زيادة شكوك تالبوت بأن هناك من يحاول كشف أسرار دُفنت لسنوات تحت طبقات من الثراء والتهديد.

بلغ التوتّر ذروته حين حرّكت الفتاة إصبعها فجأة أثناء المواجهة؛ حركة طفيفة للغاية، لكنها من الوضوح بحيث جعلت الحارس الأقرب يسقط مصباحه من شدة الصدمة.

استغل إلياس تلك اللحظة ليصرخ بأن الفتاة كانت واعية طوال الوقت، واتهم تالبوت بإخفاء حقيقة حالتها، فاشتعلت الفوضى وانتشرت موجاتالذعر في الدائرة الداخلية للقصر.

1 2الصفحة التالية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock