
كل ليلة، كان زوجي ينام في غرفة ابنتنا… فوضعتُ كاميرا مخفية. وما اكتشفته في التسجيل جعل يديّ ترتجفان وقلبي يتوقف لثوانٍ.
اسمي كارولاين كاري ميتشل أبلغ من العمر اثنين وثلاثين عاما وأعيش في بورتلاند بولاية أوريغون. كنت دائما أعتقد أنني أم جيدة.
بعد طلاقي الأول عدت بابنتي الصغيرة إلى المنزل ووعدت نفسي أن أحميها مهما كان الثمن.
وبعد ثلاث سنوات التقيت إيفان بروكسرجلا هادئا لطيفا يعرف مثلي معنى الوحدة. كان ثابتا صبورا ولم يجعل ابنتي تشعر يوما أنها غريبة عنه.
كنت أظن أننا بعد كل العواصف التي مررنا بها قد وجدنا أخيرا بعض السلام.
ابنتي إيما أكملت عامها السابع هذا العام. عانت من اضطرابات النوم منذ طفولتها كانت تستيقظ أحيانا باكية وأحيانا تبلل الفراش وفي أحيان أخرى كانت تحدق في الفراغ بعينين زائغتين كأنها ترى شيئا لا نراه.
كنت أظن أن السبب هو غياب الأب من حياتها. وحين دخل إيفان إلى عالمنا تمنيت أن يتغير ذلك. لكن شيئا لم يتغير.
ظلت إيما تبكي ليلا وظل في نظراتها ذلك الشرود البعيد.
ومنذ شهر تقريبا بدأت ألاحظ أمرا غريبا.
فكل ليلة نحو منتصف الليل كان إيفان يغادر سريرنا بهدوء. وحين سألته قال لي بلطف
ظهرييؤلمني يا عزيزتي الأريكة في غرفة المعيشة أكثر راحة.
وصدقته.
لكن بعد عدة ليال حين خرجت لأشرب الماء اكتشفت أنه ليس على الأريكة.
كان في غرفة إيما.
كان باب الغرفة نصف مفتوح والضوء البرتقالي الضعيف لمصباحها الليلي يتسرب إلى الردهة. رأيته مستلقيا إلى جانبها وقد وضع ذراعه حول كتفيها الصغيرين بحنان.
تجمدت في مكاني.
همست بحدة مرتعشة
لماذا تنام هنا
رفع رأسه ببطء وظهرت على وجهه ملامح التعب لكنه ظل هادئا.
كانت تبكي مجددا دخلت لأهدئها ويبدو أنني غفوت بالقرب منها.
كان كلامه منطقيا لكن شيئا في داخلي لم يهدأقلق ثقيل أشبه بالهواء الساكن قبل عاصفة صيفية.
كنت خائفة ليس فقط من فكرة فقدان ثقتي بزوجي بل من شيء أسوأ بكثيرشيء لا ترغب أي أم في تخيله.
لذا قررت أن أضع كاميرا صغيرة في زاوية غرفة إيما دون أن أخبر أحدا. أخبرت إيفان أنني أتحقق من نظام الأمان لكن الحقيقة أنني كنت أراقبه.
في تلك الليلة جلست أراجع التسجيل على هاتفي.
وعند الساعة الثانية فجرا ظهرت إيما في الفيديو وهي تجلس فجأة فيسريرها وعيناها مفتوحتان لكن بلا تركيز. نهضت ببطء وبدأت تسير في أنحاء الغرفة تصطدم برأسها بخفة في الجدار ثم تتوقف واقفة بلا حراك.
تجمد الدم في عروقي.
بعد دقائق فتح الباب.
دخل إيفان.
لم يصرخ ولم يبد مذعورا. اقترب منها بهدوء حولها بلطف وهمس بشيء لم يلتقطه الميكروفون.
ارتخت أطرافها وعادت إلى الفراش ثم غرقت في النوم من جديد بسلام.
ظللت مستيقظة حتى الصباح غير قادرة على إغماض عيني.
في اليوم التالي حملت الفيديو إلى مستشفى الأطفال في وسط المدينة. شاهد الطبيب التسجيل بدقة ثم رفع نظره إلي قائلا
ابنتك تعاني من نوبات المشي أثناء النوم وهي حالة شائعة عند الأطفال الذين يحملون خوفا عميقا أو ضغطا عاطفيا.
ثم سألني
هل ابتعدت عنها لفترة طويلة في سنواتها الأولى
تجمدت.
وانهالت علي الذكريات دفعة واحدة.
بعد طلاقي اضطررت للعمل وتركت إيما لدى والدتي أكثر من شهر. وعندما عدت إليها لم تتعرف علي.
اختبأت خلف جدتها خائفة.
أخبرت نفسي آنذاك بأنها ستعتاد علي مجددا ولم أدرك أنني تركت شرخا صغيرا فيقلبها الطري لم يندمل بعد.
أما إيفانالرجل الذي راقبته خفية وشككت فيهفكان الوحيد الذي أدرك معاناتها وتعلم كيف يهدئ خوفها.
كان يضبط منبه هاتفه كل ليلة يجلس قرب سريرها يراقبها بصبر وإن بدأت تمشي أثناء النوم كان يعيدها إلى فراشها برفق دون أن يوقظها.
لم يلومني على شكوكي.
لم يتذمر.
كان يحبنا في صمت.
حين انتهيت من مشاهدة التسجيل كاملا بكيتليس خوفا بل خجلا.
الرجل الذي خشيت أن يؤذي ابنتي كان الشخص الذي كان يسهر لحمايتها كل ليلة.
نزعت الكاميرا وذهبت أضم إيما.
فتحت عينيها وقالت بصوت ناعم
ماما هل سيأتي أبي الليلة
امتلأت عيناي بالدموع.
نعم يا صغيرتي هو دائما هنا.
ومنذ ذلك اليوم بتنا ننام جميعا في الغرفة نفسها. أنا بجانب إيما وإيفان في السرير المجاور يمد يده دائما قريبا منهاجاهزا ليطمئنها إن تحركت في نومها.
لم تعد ليالينا ثقيلة بل صارت دافئة مليئة بالطمأنينة.
والآن وبعد كل ما مررنا به أدركت حقيقة لم أفهمها من قبل حقيقة لم تصل إليها روحي إلا بعد أن انكشف الظلام وانقشع الخوف وظهرتالنوايا على حقيقتها
بعض الأشخاص لا يدخلون حياتنا





