
زوجي تزوّج وبعد أربع سنوات، رأى الطفل الذي جعل وجهه يشحب
وأنا صغير. أعلم أنني فقدت حقي في السؤال لكن قلبي لم يتوقف عن الشعور بالذنب.
بكيت تلك الليلة حتى الفجر. كنت أظن أنني تجاوزت كل شيء لكن كلماته كسرت شيئا دفينا في قلبي. وحين نظرت إلى جاكوب وهو نائم قلت لنفسي ربما لم يعد الوقت للاڼتقام ربما صار الوقت للسلام.
بعد أيام أرسلت له رسالة قصيرة يمكنك أن تراه يوم الأحد في الحديقة قرب بيتي. فقط ساعة واحدة.
حين جاء اليوم كنت متوترة كما لو كنت أراه لأول مرة. جاء باكرا يحمل في يده كتابا صغيرا. لم يكن بكامل أناقته القديمة بل بدا هشا خاڤتا وكأن السنوات أرهقته. كان جاكوب مترددا يختبئ خلفي ويمسك بيدي. ابتسم مارك وقال بصوت مبحوح هاي يا بطل تحب أدفشك على الأرجوحة
نظر إلي جاكوب متسائلا فأومأت برأسي. اقترب مارك دفع الأرجوحة برفق فانطلقت ضحكة صغيرة من فم ابني ضحكة لم أسمع مثلها منذ زمن بعيد. كانت كأنها موسيقى تنبت في قلبي. جلست أراقبهما بصمت وفي صدري سلام لم أعرفه من قبل.
انتهت الزيارة سريعا. قبل أن نغادر قال مارك بهدوء شكرا لأنك سمحت لي. لم أكن أستحق حتى هذا. لم أعلق. فقط أمسكت بيد جاكوب وغادرنا.
لكن اللقاء الأول لم يكن الأخير. بدأت لقاءاتنا تتكرر بصمت منظم كل أسبوع في نفس المكان دون اتفاق ولا وعود. صار جاكوب ينتظره بشوق يحكي له عن مدرسته ويريه رسوماته ويضحك حين يحمله مارك على كتفيه. كنت أراهم من بعيد وأدرك أنني لا أملك الحق في حرمان ابني من أبيه مهما فعل ذلك الأب بي.
مرت الشهور وصار وجود مارك جزءا هادئا من حياتنا. لم يحاول الاقتراب مني أو استعادة ما كان. كل ما أراده هو أن يكون أبا لا أكثر. ومع مرور الوقت بدأت أرى في عينيه صدقا لم أعرفه من قبل.
ثم جاء يوم سمعت فيه من أمي أن إيميلي رحلت عنه. لم أتفاجأ. قالت أمي بحذر الحياة تعيد كل شيء إلى مكانه يا كلير. ابتسمت بخفة وقلت الحياة لا تعيد يا أمي هي فقط تظهر الحقيقة حين يحين وقتها.
كبر جاكوب وصار يسألني ماما ليه بابا ما عاش معنا
كنت أجيبه برفق لأن الكبار أحيانا يخطئون يا حبيبي لكن الخطأ ما بيعني إنهم ما بيحبوش أولادهم.
وكان يكتفي بإيماءة صغيرة ثم يعود ليلعب. ومع مرور الأيام أدركت أن الطفل الذي نشأ على الصدق لن يحمل في قلبه مرارة أحد.
بعد سنوات جاءني خبر مرض مارك. حاول أن يخفيه لكنه كان يتدهور. لم يكن يطلب شيئا سوى أن يرى ابنه من حين لآخر. وحين علمت برحيله جلست طويلا في صمت. لم أبك كثيرا فقط شعرت بفراغ عميق كأن صفحة أخيرة من كتاب كانت تنتظر أن تطوى.
في يوم الچنازة ذهبت خلسة وقفت بعيدا خلف الأشجار. لم أقترب لم ألق وردة فقط تمتمت سامحتك ليس من أجلك بل من أجلي. ثم رحلت بهدوء كما رحلت كل الذكريات.
في المساء سألني جاكوب بصوته الطفولي ماما بابا راح السماء
أجبته بابتسامة خفيفة نعم يا حبيبي وهو بيشوفك كل يوم من هناك.
نظر إلي بجدية وقال أكيد بيضحك لما يشوفني بلعب
قلت وأنا أضمه إلى صدري أكيد وبيفتخر فيك كمان.
ثم أطفأت الأنوار وجلست أستمع إلى أنفاسه الهادئة. لم أعد تلك المرأة التي اڼهارت يوما على أرض باردة بعد خېانة بل أصبحت امرأة تعرف أن السلام لا يأتي بالاڼتقام بل بالصفح وأن الغفران لا يمنح لمن يستحقه بل لمن يحتاج أن يتحرر من ثقل الألم.
وهكذا حين يمر المطر كل خريف أجلس عند النافذة أراقب ابني يلعب في الحديقة أبتسم بهدوء وأقول في نفسي
لقد مرت العاصفة وها أنا أخيرا أتنفس بسلام.





