
طفلة في شاحنة مهجورة… وإشارة خفية لم يسمعها البشر بل أنقذتها الكلاب
طفلة صغيرة أرسلت إشارة خفية عند نقطة الاستراحة لكن 14 كلبا بوليسيا فقط كانوا من لاحظها
كانت الصحراء تمتد كجرح مفتوح تحت شمس ما بعد الظهيرة وكانت الطريق السريعة خطا فضيا رفيعا يشق جسدها المحترق. أما في تلك الاستراحة الصغيرةمضختا وقود مظلة فوق آلة بيع وطاولة نزهة أكلت الشمس لونهافقد كان المسافرون يتحركون ببطء كسالى سائق شاحنة يتصفح رسائله عائلة تتجادل حول كيس رقائق وامرأتان تحتميان بالظل.
لم يلتفت أحد إلى الشاحنة البيضاء القديمة المركونة في أقصى طرف الموقف طلاءها المتقشر يشبه عظما قديما.
وفي صندوق تلك الشاحنة خلف جدار معدني شاحب كانت طفلة لا تتجاوز التاسعة من العمر مستلقية تتمسك بنفسها. رسم الغبار حدود وجهها ونقش الحبل حول معصميها دائرة شاحبة في جلدها. ضمت ركبتيها إلى صدرهاليس لأنها تشعر بالبرد بل لأنه لم يبق لها وضع آخر.
كانت تصغي لصرير أبواب ضحكة طفل هدير محرك وتفرز الأصوات بين خطر أو أمان بعيد.
كانت قد حاولت الصراخ مرةصوت خافت ابتلعته كف قاسية أطبقت على فمها. انحنى خاطفها فوقها وقال صوته يلسعها
لو سمعت صوتك سأعود إليك. فهمت
كان صوته قريبا بما يكفي لتشم أنفاسه. وقد فهمت.
لكنها لم تتوقف عن المراقبة.
غادر الرجل الشاحنة وقتا أطول مما ينبغي يتوه في حر الشمس تائها بين مخازن الصيانة ثم نحو الصخور عند طرف الاستراحة. لم يربطها جيدا بل رتب منظرا مخادعا للإهمال ليعتقد الناس أن الصندوق فارغ فيرحلوا.
تابعته حتى تلاشى في الأفق.
كما راقبت الآخرينمن glance نحو الشاحنة ثم صرف نظره ومجموعة مراهقين يصورون مقطعا قصيرا ثم ينسون العالم.
دق قلبها كطبل صغير مذعور.
كان لديها فرصة واحدة فقط.
وتذكرت فيديو قصيراكلاب ترفع رؤوسها لصوت لا يسمعه البشر فتنقلب الدنيا.
رفعت عقب قدمها وضغطته على أرضية الصندوق المعدني.
صوت صغير إيقاع دققته عشرات المرات في رأسها
طرقة صمت.
طرقة صمت.
رسالة تقول أرجوكم أرجوكم.
لا صراخ.
لا استغاثة.
بل شيء قد تسمعه آذان ولدت لتلتقط ما يغيب عن البشر.
كانت الكلاب الأربعة عشر مصطفة في الظل ألسنتها ممدودة وعيونها تنتظر أوامر مدربيها. كانت من فصيلة الراعي الألمانيتبدو كتماثيل أو عواصف بحسب الإشارة.
الطفلة تحب الكلاب. كانت تشاهد بطولاتها في الليلمقاطع مصورة تشعرها بأنها ليست وحدها في عالم قد ينقلب في لحظة.
طرقة.
صمت.
طرقة.
نصف ثانية صمت.
ضاق صدرها.
ربما لم يسمعوا.
ربما كان ذلك مجرد وهم تخدر به خوفها.
ثم رفع أحدهم رأسه.
أكبرهم سنا بكمامة شاحبة وندبة طويلة على خاصرته.
ثم رفع الثاني.
ثم الثالث.
ثم سلسلة كاملة من الرؤوس تنتصب في انسجام وعيون تتجه إلى نقطة واحدة كدوار شمس يتبع الضوء.
كان الضابط رامونمدرب الكلب العجوز ريكسيمسك بسيجارته حين لاحظ التغير.
قال هامسا
ما الذي تلمحونه يا أولاد
كان يتمتم صوته معلقا بين الفضول والأمر. ارتجفت سيجارته بين أصابعه فيما كانت الكلابالتي كانت قبل لحظات تغفو وتلهث وتؤدي واجبها بمجرد أن تبدو مهيبةتسحب انتباههاعن الحشد وتوجهه نحو الشاحنة.
طرقة. طرقة.
هذه المرة ارتد الإيقاع داخل عقول الكلاب كأنه شيفرة.
أطلق الكلب العجوز صوتا منخفضانباحا عميقا لا يحمل أي تهديد للبشر لكنه كان محملا بكل إلحاح موجه نحو المدربين.
ضيق ماثيو عينيه.
ريكس
كان صوته خيطا يشدهم معا لكن الكلاب استجابت لشيء أقدم من التدريب. قفزت دفعة واحدة موجة متقنة من العضلات والغاية.
لم يصدر أمر.
ولم يكن ثمة حاجة إليه.
تشكلوا! اثبتوا في مواقعكم! صاح أحد المدربين لكن الكلاب كانت قد سبقت قراره. اندفعت عبر الموقف كريح تعرف رائحة الخطر والغرض. صرخ الناس وانحنوا تحت ظل الحركة. طار عصير أحد الأطفال في الهواء. وارتفعت الهواتف مثل أعلام مذعورة صغيرة تصورفاليوم يصور كل شيءحتى بداية شيء رهيب.
بلغ ريكس الشاحنة بانسياب عملة تسقط في الماء وقفز على الباب الخلفي. انغرست مخالبه في المعدن وهو يثبت نفسه بجوار الفتاة. حدق بعينيهعينيه الكهرمانيتينفي عينيها كأنهما وعد.
أحاطت الكلاب الأخرى بالصندوق في دائرة ضيقة كتفا لكتف حاجزا حيا.
لأي غريب بدا المشهد مخيفا أنياب بارزة وجاهزية للاشتباك.
أما ماثيو فرأى حماية.
فقد فهمت الكلاب العالم بطريقة مختلفة ووضعت أجسادها بين الخطر وبين الصغر.
ارتخت العقدة في معدتها قليلا عندما لمس ريكس بارد أنفه فخذها. لم يلعق وجهها. لم يقفز فوقها. بل اكتفى بالجلوس. حضوره وحده أخبرها أن العالم لم يفقد إنسانيته بعد.
رويدكم يا أولاد رويدكم.
اقترب ماثيو بحذر كفاه مرفوعتانراحتيه البيضاوين كعلامة سلام. الكلاب لم تطعه فورا. تفحصت المكان بثت رائحتها في الهواء جمعت المعرفة عبر أنوفها.
وبينما اقترب أكثر رأى الحبل ورأى آثار انطباعه على معصميها.
خرج نفسه في شهقة صغيرة.
يا صغيرتي همس وفي لحظة ما تخلى صوته المهني عن صلابته وظهر صوته البشري الخام.
حاولت الفتاة أن تتكلم.
لم يخرج صوت.
لقد أغلق الرعب صوتها كما يغلق درج بقفل محكم.
لم تستطع سوى الإشارةببطء وارتجافنحو الأفق.
كان إصبعها اتهاما رقيقا يشير إلى المكان الذي يلامس فيه الرمل الحرارة.
تبع ماثيو نظرتها.
وتبعته الكلاب.
ثبت ريكس خطمه في اتجاه الصخور كأن مغناطيسا يسحبه. تيبست بقية الكلاب. لقد شمت ما لا يشمه البشر رائحة استعجال وخوف وتخطيط. آثار أقدام دفعت كذبة الإهمال بثمنها. كانت تتجه نحو مكان كان يقف فيه أحدهم يراقب ينتظر.
هذا الشخص لم يكن ينوي الرحيل.
كان ينوي العودة.
قال ماثيو بصوت منخفض كي لا يغمرها مزيد من الأدرينالين
انتشروا.
هز المدربون رؤوسهم وانقسموا كوحدة واحدة. بقي سبعة كلاب بينما انطلقت البقية تبحث. بقي ماثيو بجوار الشاحنة. جثا على ركبته من دون أن يهددها وبيدين لطالما تعاملتا مع العنف رقق حركتهما وسحب سكينا صغيرة من جيبه ومرر حدها المرتعش تحت الحبل الخشن وقطعه.
سقطت يداها في حجرهامرتبكتين مندهشتين.
لبرهة وانكمشت على نفسها كأنها تبني لنفسها غرفة صغيرة في بيت كان على وشك السقوط.
هل تخبرينني باسمك سألها.
فتحت فمها.
لا شيء.
ثم خرجت همسة.
شعرة من الصوت.
مايا.
ردد ماثيو الاسم كأنه يثبت شيئا في مكانه
مايا.
لمعت عيناها





