قصص قصيرة

الوصيّة المخفيّة: حين قلبت رسالة واحدة إرث العائلة رأسًا على عقب

كيتلين.
ظلت واقفة لكن خطواتها نحو الباب كانت متعثرة متوترة كأن الأرض نفسها لم تعد تثق بها.
وحين صفقت الباب خلفها بقوة اهتز البيت كله كأن صدى خروجها كان إعلانا لنهاية مرحلة كاملة من حياتنا.
في اليوم التالي مباشرة بدأت الإجراءات القانونية.
جمد القضاء كل الأصول خلال ساعات وكأن العدالة على بطئها أحيانا أرادت هذه المرة أن تعيد التوازن سريعا.
عادت الممتلكات إلى حالها الأصلي وفق وصية أمي الحقيقية.
ورغم كل شيء لم تستطع كيتلين الاعتراض.
لم يكن لديها ما تقوله.
الوثيقة المزيفة كانت ڤضيحة مكتملة الأركان.
ظننت أن هذه النهاية.
ظننت أن العدالة القانونية هي آخر الفصول.
لكنني كنت مخطئة
لأن grief الحزن لا يغلق أبوابه ببساطة.
إنه يبقى ويمتد ويتحول.
أحيانا يصبح لزجا يلتصق بالروح.
وأحيانا يصبح هادئا يعلق الذكريات في الهواء كغبار ذهبي.
بعد أسبوع صعدت إلى العلية للبحث عن صناديق تخزين.
كانت رائحة الخشب القديم تعبق بالمكان والغبار يتطاير في الهواء مثل طبقة رقيقة من الضباب الرمادي.
هناك خلف الدعامات الخشبية رأيت صندوقا صغيرا.
كان مغبرا مغطى بطبقة كثيفة تشبه الجلد اليابس وكأنه لم يفتح منذ سنوات طويلة.
فتحته ببطء.
في الداخل كنز من حياة أمي.
صور قديمة لنا ونحن أطفال بثياب شتوية كبيرة.
رسائل بخطها المنحني الرقيق.
بطاقات أعياد ميلاد تبهت ألوانها لكنها تحتفظ بحرارتها.
أوراق صغيرة كتبت فيها ملاحظات عن وصفات أو أمنيات أو مواعيد.
بطاقة علاماتي في الصف الثالث ما تزال تحتفظ برائحة الورق القديم.
خصلة شعري من أول قصة قصتها لي أمي وهي تضحك.
وسوار صداقتي الذي كنت أظنه مفقودا منذ أكثر من عشر سنوات.
ثم في أسفل الصندوق تحت بطاقة بريدية قديمة من كيب كود كان هناك ظرف.
ظرف بلون الياقوت الباهت.
وعليه بخط أمي الذي أعرفه كما أعرف نبضي
إلى آنا
جلست فورا على أرض العلية وكأن ساقي لم تعودا قادرتين على حمل وزني.
كان الهواء يتحرك بلطف يحرك العزل الحراري ويجعلني أسمع همسات الريح القادمة من الشرفة.
كأن البيت كله يحبس أنفاسه كي أقرأ تلك الكلمات.
فتحت الرسالة.
خط أمي كان مرتبا واثقا جميلا.
كل حرف يشبهها.
كتبت
إن حدث لي شيء أريدك أن تحافظي على منزلنا.
لقد كنت دائما الأقدر على حبه والأقدر على فهم قلبه.
كيتلين قد تحتاج المال لكنها لم تفهم روح هذا المكان يوما.
أما أنت يا آنا
فأنت أفضل ما في.
وأعلم أنك ستصونين ما أحببته طوال حياتي.
أحبك.
أمك.
قرأتها مرة. ثم ثانية. ثم ثالثة.
وامتلأت الصفحة بدموعي قبل أن أدرك أنني أبكي.
كانت دموع امتنان واعتراف وحب لا ينتهي بالمۏت.
في الليلة التالية وصلتني رسالة من كيتلين
هل يمكن أن نتحدث
لم أفتحها.
تركتها معلقة مثل سؤال بلا إجابة.
حاولت بعدها بيومين.
ثم اتصلت.
ثم صمتت.
بعد أسبوع وجدت على الشرفة باقة كبيرة من زهور التوليب الزهرة التي كانت أمنا تحبها أكثر من أي زهرة أخرى وضعتها أختي بصمت.
كانت هناك بطاقة صغيرة معها
لكنني لم أفتحها.
لم أستطع.
كانت هناك أشياء لم تعد الكلمات قادرة على مداواتها.
الآن كل مساء أجلس في الشرفة القديمة.
أحمل كوبا من أكواب أمي المزهرة التي كانت تشرب فيها شايها وتقرأ صحيفتها.
تتراقص أوراق الماغنوليا فوق رأسي مع نسيم الليل ويصدر المقعد الخشبي جانبا صوت صرير لطيف.
كنت أزيته مرارا لأخفي الصوت لكنني بدأت أحبه
يشبه نبضا ثابتا كأنه يقول لي ما زلت هنا. وما زال البيت وما زالت أمك هنا معك.
رائحة الطلاء الجديد تمتزج برائحة الليمون
وبرائحة لا يعرفها إلا من عاش في بيت ټوفيت فيه أمه
رائحة الذكريات.
أحيانا أفكر بما تشعر به كيتلين الآن وهي تعلم أنها حاولت محو اسمي من تاريخي وفشلت.
لكن أغلب الوقت أفكر بأمي.
أحيانا أهمس في الهواء كأنها إلى جواري
ستعجبك النتيجة يا أمي البيت ما زال منزلك. وما زال آمنا
ودافئا.
وفي تلك اللحظات
لا أشعر بالوحدة.
بل أشعر أن قلب أمي لا يزال ينبض في أساسات البيت كما لو أنها لم تغادره قط.

الصفحة السابقة 1 2 3 4

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock