قصص قصيرة

طفلة حافية أعادت للملياردير ساقيه… وقلبه قبل ذلك

كارولينا في الصباح يضحكان حين يتعثر ويتوقفان لالتقاط الأنفاس ثم يكملان. وأحيانا كان يمسك بيد كلوديا في طريقها إلى المدرسة يستمع إلى حديثها البريء عن المعلمة والأصدقاء والأحلام الصغيرة كأن تلك اليد كانت تمسك قلبه قبل أن تمسك كفه. وفي المساء كان يعود إلى بيت لم يعد صامتا بيت فيه ماريا وفيه دفء وفيه حياة لم يكن يظن يوما أنه سيعيشها.
كان زفافهما بسيطا بعيدا عن الأضواء والبذخ الذي اعتاد عليه. زهور بيضاء ابتسامات صادقة وقلوب تعرف جيدا معنى الامتنان. لم تكن هناك حاجة لاستعراض الثروة لأن اللحظة نفسها كانت أغنى من أي شيء. ارتدت كلوديا فستانا جميلا للمرة الأولى في حياتها لم يكن ممزقا ولا متسخا بل ناعما نظيفا يليق بطفلة تحولت من شوارع المدينة إلى قلب عائلة. بدت كأميرة خرجت من حكاية قديمة لكن الفرق أن هذه الحكاية كانت حقيقية.
في الحفل أمسك أليخاندرو الميكروفون. لم يتكلم كرجل أعمال ولا كملياردير اعتاد الخطابات الرسمية بل كإنسان عرف معنى الانكسار ثم معنى الشفاء. نظر إلى معجزاته الثلاث ماريا وكارولينا وكلوديا وقال بصوت هادئ كنت أظن أن لدي كل شيء المال والقوة والنجاح. كنت أملك ما يحلم به كثيرون لكنني كنت فارغا من الداخل عاجزا عن الإحساس بأي معنى. صمت لحظة ثم تابع بصوت متهدج ثم جاءت طفلة في الخامسةمن عمرها لا تملك شيئا لا بيتا ولا أمانا ولا ضمانا للغد ومع ذلك شاركت طعامها. رفع نظره نحو كلوديا وأضاف هي لم تعدني بمعجزة ولم تطلب مني شيئا. أعادت إلي ساقي لكن الأهم أنها أعادت إلي قلبي.
ساد الصمت المكان صمت ثقيل ممزوج بالدموع. لم يكن أحد يصفق لأن الجميع كان يشعر أن التصفيق لا يليق بلحظة كهذه. رفعت كلوديا يدها من حضن ماريا ونظرت إلى أليخاندرو بعينيها اللامعتين وقالت ببراءة أبي الآن بعدما تمشي عليك أن تعلمني ركوب الدراجة. انفجر أليخاندرو ضاحكا والدموع تملأ عينيه وقال اتفاق أعدك.
في تلك الليلة حين هدأ كل شيء جلس أليخاندرو وحده يتأمل ما حدث. تذكر الرجل الذي كانه قبل سنوات الغارق في الغضب والشك والفراغ. تذكر كيف كان يظن أن الألم نهاية الطريق وكيف علمته طفلة صغيرة أن الألم قد يكون بداية. أدرك أن المعجزات لا تأتي دائما كما نتصورها ولا تحمل بالضرورة أصواتا مدوية أو مشاهد خارقة. أحيانا تأتي في هيئة طفلة حافية القدمين تحمل كيسا صغيرا من الطعام وتملك قلبا واسعا بما يكفي ليشارك القليل الذي لديه.
وهكذا فهم أخيرا أن الإيمان ليس كلمات تقال بل أفعال تعاش. وأن الشفاء لا يبدأ من الجسد دائما بل من الروح. وأن الإنسان مهما امتلك قد يكون أفقر الناس إن لم يعرف الرحمة ومهما افتقد قد يكون أغناهم إن عرفكيف يعطي.

الصفحة السابقة 1 2 3

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock