
قبل ليلتنا الأولى فتح الخزنة… والرسالة التي قرأتها غيّرت كل شيء
أنيكيت أنت تخيفني.
حين استدار سحب الهواء من صدري. ذنب ثقيل وخوف عار في عينيه.
قال هامسا
أحتاج أن أريك شيئا في الخزنة. شيئا يجب أن تقرئيه قبل ليلتنا الأولى.
التوى معدتي.
عن ماذا تتحدث
ارتجفت يداه وهو يدخل الرمز. انفتحت الخزنة.
قال بصوت مكسور
أنا آسف. كان يجب أن أخبرك من قبل.
أخرج ظرفا أبيض قديما وداخله هاتف قديم.
قال
هاتفي السابق. عثرت عليه ابنتي قبل أسابيع. شحنته ووجدت
فتح رسالة ووجه الشاشة نحوي.
كانت محادثة بينه وبين أرجون قبل سبع سنوات قبل وفاة أرجون.
بدأت برسائل عادية مزاح وخطط ثم تغير الأسلوب.
قرأتها وتوقفت عند رد أرجون طويلا كأن الكلمات قد خرجت من الشاشة لتستقر في صدري بثقل لا يحتمل
لا. بجدية. لا تفعل. أعطني وعدا ألا تحاول معها أبدا. إنها زوجتي. لا تتجاوز هذا الحد.
ظللت أحدق في السطور ويدي ترتجفان ثم تبلدتا فجأة وكأن الدم انسحب منهما. في تلك اللحظة تلاشى كل ضجيج العالم من حولي. لم أعد أسمع سوى دقات قلبي ثقيلة متقطعة. فهمت كل شيء دفعة واحدة خوف أرجون صراحته وحدوده الواضحة وتردد أنيكيت في تلك السنوات البعيدة.
قال أنيكيت بصوت مرتجف وهو يحاول أن يلتقط أنفاسه
كنت في أسوأ حالاتي. زواجي كان ينهار أمام عيني. كنت ضائعا هشا وقلت شيئا أحمقا لم أفكرفيه. أقسم لك لم أخطط لأي شيء ولم أتجاوز حدي يوما.
ثم جلس على طرف السرير وأسند مرفقيه إلى ركبتيه وأخفى وجهه بين كفيه
حين اقتربنا بعد رحيل أرجون لم يكن ذلك خداعا ولا لعبة. لم أكن أبحث عن بديل ولا عن تعويض. لكن عندما رأيت هذه الرسالة مجددا أصابني الذعر. سألت نفسي هل خنت وعدي له هل استغللت ضعفك وحزنك دون أن أشعر
رفع رأسه ونظر إلي بعينين مثقلتين بالخوف
قولي الحقيقة. هل خنتك هل خنت ثقتك
شعرت بثقل السؤال ليس لأنني لا أعرف الجواب بل لأنني كنت أعرفه جيدا. اقتربت منه خطوة وقلت بهدوء حاولت أن أجعله ثابتا
أنيكيت
قاطعني سريعا وكأنه يخشى أن يسمع ما سيكسر قلبه
إن ظننت ذلك نتوقف الآن. من هذه اللحظة. أنام على الأريكة نؤجل كل شيء نلغي كل شيء إن أردت. لا أريد أن أكون جرحا جديدا في حياتك.
نظرت إليه طويلا. رأيت الرجل الذي ظل واقفا إلى جانبي في أصعب أيامي الرجل الذي لم يطلب شيئا ولم يضغط ولم يستعجل. رأيت خوفه الصادق وضميره الذي يعذبه أكثر مما يعذبه أي حكم خارجي.
سألته بهدوء
هل تحبني
رفع عينيه نحوي وقال دون تردد
نعم. أحبك. أقسم بالله أنني أحبك.
اقتربت منه أمسكت وجهه بين يدي وأجبرته أن ينظر إلي
أرجون لم يخطط للموت. لم يكن يعلم ما الذي سيحدث ولم يكن بوسعه أن يتوقع مسارات الحياة. ولو كان يرانا الآن لرأى رجلا يحترمني لم يستغلني ولم يسرقني من حزني بل انتظرني حتى عدت قادرة على الاختيار.
تنفست بعمق وتابعت
لم تخنه.نحن لم نخنه. ما حدث لم يكن خيانة بل استمرار للحياة. نحن بشر نضعف نحب نخطئ أحيانا لكننا نحاول أن نكون صادقين.
امتلأت عيناه بالدموع ولم يحاول إخفاءها. كانت دموع رجل خاف أن يكون قد فقد كل شيء بسبب كلمة قالها قبل سبع سنوات.
قلت وأنا أمسح دموعه بإبهامي
الحياة تمضي يا أنيكيت. ولا تنتظر أحدا.
عانقني بقوة عناقا طويلا لا يشبه عناق ليلة زفاف بل عناق شخصين اختارا بعضهما بعد أن كشف كل منهما جروحه وخوفه. في تلك اللحظة اخترنا بعضنا من جديد دون أوهام دون إنكار للماضي ودون شعور بالذنب.
واليوم بعد شهرين فقط أستيقظ كل صباح وأنا أعلم يقينا أنني اخترت الطريق الصحيح. لا لأنه كان الأسهل ولا لأنه خال من التعقيد بل لأن الحب الحقيقي لا يظهر إلا حين يكون الطريق وعرا وحين نكون صادقين بما يكفي لنتوقف ونسأل أنفسنا هل نحن نؤذي أم نحب
أرجون سيبقى دائما جزءا من قصتي. هو الرجل الذي منحني عشرين عاما من الحياة وطفلين رائعين وأساسا متينا للحب والأمان. لكنه ليس نهاية حكايتي.
وأنيكيت هو فصلي الثاني. ليس بديلا ولا ظلا بل بداية مختلفة ناضجة واعية تحمل آثار الماضي دون أن تسحق به.
لقد تعلمت أن القلب أقوى مما نتصور. قد ينكسر نعم وقد يترك فيه الفقد
ندوبا لا تزول لكنه لا يتوقف عن النبض. ويمكنه أن يحب من جديد دون أن ينتقص ذلك من حب سابق ودون أن يخون ذكرى أحد.
هذه حياتي كما هي فوضوية معقدة مليئة بالخسارات والاختيارات الصعبة لكنهاصادقة. وربما بكل ما فيها من ألم وشفاء كانت تماما كما ينبغي لها أن تكون.





