قصص قصيرة

طردوه من البنك لأنه فقير لكن رقم واحد على الشاشة قلب المؤسسة رأسًا على عقب

رسوم جامعية كاملة،
وكتب،
ومصاريف معيشة،
تُمنح سنويًا لاثنين من الطلبة من المجتمعات الفقيرة ممن يسعون للحصول على شهادات في التعليم.

لأن معلمة عاشت حياة متواضعة… غيّرت أكثر مما كانت تتصور.

وعلى طاولة اللجنة الاستشارية، وسط مقاعد فخمة يجلس عليها كبار مسؤولي الصندوق، كان هناك كرسي صغير يخالف المشهد كله—كرسيّ قصير، بسيط، وُضع خصيصًا لعضو صغير في السن لكنه كبير في القيمة.
كان ذلك العضو هو ويسلي بروكس، ابن السنوات العشر، وقد جلس عليه بظهر مستقيم ورهبة ظاهرة، يحاول قدر الإمكان أن يبدو في مستوى الآخرين، رغم أن قدميه بالكاد كانتا تلمسان الأرض.

كان يستمع إلى حديث الكبار حول خطط المنح الدراسية، ميزانيات البرامج، وتوجيهات التمويل، بينما عيناه تتنقلان بين وجوههم بإعجاب وخجل. كان يشعر بثقل المسؤولية، لكنه لم يكن خائفً كان proud، لا لأنه جزء من لجنة كبيرة، بل لأن اسم جدته محفور على الصندوق نفسه.
كان يشعر أن وجوده هنا ليس تكريمًا له، بل وفاءً لها.

ومرّت ثماني سنوات…
وكأن الزمن لم يمشِ بل ركض.

في صباح يومٍ صافٍ عند حرم جامعة جورجتاون،كان الضوء الذهبي يتسلّل بين الأشجار العتيقة، يتمايل على الأرصفة الرطبة، ويُسقط على وجوه الطلاب ظلالًا تشبه بدايات جديدة.
في هذا المشهد الهادئ، ظهر ويسلي—وقد صار شابًا في الثامنة عشرة—يحمل بيديه حقيبته الجامعية، وبذراعه الأخرى يحمل صندوقًا صغيرًا وداخلَه غاليتان:

نسخة مُغلّفة بعناية من رسالة إلينور،
وزوج الحذاء القديم المتشقّق الذي ثمنه دولاران، ذاك الذي كان يتحاشى به الأطفال في الماضي لكنه كان بالنسبة إليه أعظم من كل ما اشتراه لاحقًا.

وضع الحذاء على الرف الخشبي الضيق في غرفته الجديدة، برفقٍ يشبه العناية بقطعة أثرية نادرة. كان يمسحه بأصابعه ببطء، يمرر يده على الخيوط المتآكلة، وعلى الجلد الذي فقد لونه قبل سنوات طويلة، وكأنه يلمس ذكرى مباشرة لا جمادًا.

دخل زميله في الغرفة، شاب طويل ذو ابتسامة واسعة وروح مرحة. وما إن رأى الحذاء حتى انفجر بالضحك وقال:

«يا رجل، لماذا جلبت هذا الحذاء معك؟ إنه على وشك أن يتفكك!»

التفت إليه ويسلي بابتسامة هادئة، تلك الابتسامة التي لا يعرفها إلا من تحمّل الكثير وتجاوز الكثير.
كانت ابتسامةناضجة، لا تتناسب مع عمره.

قال:
«إنه أثمن ما أملك.»

تغيّر وجه زميله قليلاً، إذ لم يتوقع جوابًا جادًا.
لكن ويسلي أكمل، بصوتٍ منخفض تختلط فيه الحنين بالامتنان:

«هذا الحذاء من جدتي. كانت تعتذر في كل مرة نخرج فيها معًا لأنها اشترته من متجر مستعمل… وكانت تتمنى لو استطاعت أن تعطيني شيئًا أفضل.
لكن الحقيقة أنها أعطتني كل شيء.»

رفع الرسالة المُغلّفة بيده.

«أعطتني هذا…
وأعطتني سنوات طويلة من التضحيات الصامتة التي لم أفهمها إلا بعد رحيلها.
كل خطوة خطوتها، كل باب دخلته، كل فرصة وصلتني… كانت تُمهّد لي الطريق دون أن تراه هي بأمّ عينيها.»

هزّ زميله رأسه بإعجاب حقيقي هذه المرة.
لم يعد هناك أثر للسخرية.

قال بصوت خافت:
«هذا… جميل جدًا.»

ابتسم ويسلي مرة أخرى، هذه المرة بحزن لطيف:
«نعم… كانت جميلة. كانت كذلك بكل ما تعنيه الكلمة.»

ثم جلس على سريره، فتح هاتفه، وتفقّده للمرة الأخيرة قبل أن ينام في أول ليلة له كطالب جامعي.

كانت هناك رسالة من عمه لورنس:

«غدًا هو يومك الأول. كانت جدتك لتكون فخورة بك.
احمل كرامتك.
وساعد الآخرين علىحمل كرامتهم.»

قرأ الرسالة مرتين، ثم أغلق الهاتف ببطء، كمن يحفظ وصية داخل قلبه.

وقف من جديد، ربط حذاءه الجديد بتأنٍ، ثم مدّ يده ولمس الحذاء القديم مرة أخرى.
كانت تلك اللمسة أشبه باعتذار، وشكر، ووعد.

ثم خرج إلى الممر الطويل، حيث يمتد المستقبل بلا حدود أمامه.

الاحترام ليس مكافأة.
ليس شيئًا يُمنح لمن يملك مالًا أو سلطة أو لقبًا.
إنه الحد الأدنى الذي ندين به لأنفسنا وللبشرية من حولنا.

لم يكن ويسلي بحاجة إلى عمّ نافذ.
ولا إلى حساب فيه نصف مليون دولار.
ولا إلى أي لقب ليكون جديرًا باللطف.
فلا أحد يحتاج إلى ذلك كي يُعامل بكرامة.

وإن وجدت نفسك يومًا داخل ردهة ما، ترى شخصًا يُعامل على أنه «أقل» بسبب مظهره أو فقره أو صمته
فقِف لحظة واسأل نفسك:

هل ستكون ممّن يضحكون؟
أم من يلتقطون المشهد بهواتفهم؟
أو ممن يشيحون بوجوههم كي لا يتورّطوا؟
أم ستكون ذلك الصوت الوحيد الذي يتحدث… حين يصمت الجميع؟

الكرامة لا تُمنَح.
إنها تُحمَل.
فاحمل كرامتك بفخر
وساعد الآخرين على حمل كرامتهم.

هكذا يتغيّر العالم.
ليس بخطب عظيمة، ولا بمشاريع ضخمة،
بلبلحظة شجاعة واحدة،
ولفتة إنسانية واحدة،
مرة بعد مرة…
إلى أن يتحوّل الخير من استثناء إلى عادة.

الصفحة السابقة 1 2

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock