
طفل يتسوّل الطعام في زفاف فاخر… ثم يتعرّف على العروس بأنها أمّه المفقودة!
منها أكثر وخفض صوته حتى كاد لا يسمع كأنه يخشى أن تفسد الكلمات قدسية اللحظة.
أنا لم أتزوج ماضيك همس
لم أتزوج أخطاءك ولا خوفك ولا القرارات التي اضطررت لاتخاذها وأنت في أضعف لحظاتك وحيدة محاصرة بلا سند أو صوت يسمعك.
لم أتزوج تلك الفتاة الخائفة التي وقفت يوما أمام خيار قاس لا يشبه عمرها.
تزوجت المرأة التي أمامي الآن
المرأة التي صمدت ونجت وعاشت رغم كل ما كان يمكن أن يكسرها.
وأحبك اليوم أكثر بعدما عرفت كم عانيت وحدك وكم كان ثمن صمتك ثقيلا وكم دفعت من عمرك وأحلامك كي تظلي واقفة.
كانت كلماته تسقط على قلبها ببطء كلمة كلمة كأنها تعيد ترتيب شيء مكسور في داخلها منذ سنوات. انفجرت العروس بالبكاء لا بكاء ضعف بل بكاء تحرر. وأغمضت عينيها كأنها وجدت أخيرا المكان الوحيد الذي يسمح لها أن تكون هشةأن تكون متعبة أن تكون إنسانة دون خوف من الاتهام أو الحكم.
في تلك اللحظة تغير كل شيء.
لم يعد ذلك الحفل زفافا فاخرا كما خطط له على الورق.
لم تعد الزينة المتقنة ولا الطاولات المصفوفة بعناية ولا الموسيقى المدروسة ولا الكؤوس اللامعة ذات أي قيمة حقيقية.
تراجع المظهر خطوة إلى الخلف
وتقدم المعنى خطوة إلى الأمام.
سقطت الأقنعة التي ارتداها الجميع دون وعي.
وتلاشت الرسميات التي تجبر الناس على الابتسام في غير موضع ابتسام.
وبقي الجوهر وحده حاضرا عاريا صادقا لا يحتاج إلى تزيين.
تحول المكان من دون أن ينتبه أحد للحظة التحول نفسها إلى مساحة نقية للغفران وللاعتراف وللبدايات التي لا تخطط لكنها حين تأتي تغير كل شيء بعدها.
بدأ الضيوف يصفقون. لم يكن تصفيقهم استجابة لإشارة من منظم الحفل ولا التزاما ببروتوكولاجتماعي. كانت أيديهم تتحرك لأن قلوبهم سبقتها. كانت العيون دامعة وبعضهم مسح دموعه على عجل وبعضهم لم يحاول أصلا إخفاء تأثره. كانت الأنفاس متقطعة وكأن القاعة كلها تتنفس شعورا واحدا.
لم يكونوا يحتفلون بزفاف فخم تلتقط له الصور.
ولم يكونوا شهودا على قصة حب تقليدية تروى لاحقا في المجالس.
كانوا يحتفلون بلقاء تأخر سنوات طويلة.
وبجرح ظل مفتوحا في الصمت حتى وجد أخيرا من يضمده.
وبطفل وجد مكانه في هذا العالم لا على الهامش ولا في الظل.
أمسك إيكتان بيد أمه بإحكام كأنه يخشى أن تسحب من حياته مرة أخرى أو أن تكون هذه اللحظة حلما قد ينتهي إذا أغمض عينيه طويلا. ثم مد يده الأخرى وأمسك بيد الرجل الذي ناداه للتو ابني. تردد لحظة كما لو كان يتحقق من واقعية الكلمة ثم ارتسمت على وجهه ابتسامة صغيرة خجولة لكنها صادقةابتسامة طفل شعر للمرة الأولى أنه ينتمي.
في تلك الدائرة الصغيرة من الأيادي المتشابكة تلاشت كل الفوارق التي كانت تبدو يوما كبيرة.
لم يعد هناك أغنياء أو فقراء.
لم تعد هناك قصور تبهر ولا جسور تخيف.
ولا ماض مظلم يلاحق ولا حاضر مرتبك يقلق.
لم يبق سوى إنسان وجد أمه بعد انتظار طويل
وامرأة استعادت جزءا من روحها كان غائبا
ورجل قرر أن يكون أبا لا لأن الدم يجمعه بالطفل بل لأن القلب اختار أن يفعل ذلك دون شرط.
وفي أعماق قلب إيكتان ارتفع همس دافئ لم يسمعه أحد لكنه شعر به بوضوح لا يخطئ كأنه موجه إلى السماء مباشرة إلى ذلك المكان الذي يحفظ الوجوه الطيبة
يا دون أوسيبيو هل ترى
لقد وجدت أمي أخيرا.
ولم أعد وحيدا.
وذلك البرد الذي كان ينهشني تحت الجسر
وتلك الليالي الطويلة التي كنت أنام فيها على صوت الريح
كلهالم تذهب سدى.
لقد أوصلتني إلى هنا.





