
الچرح بقلم نرمين عادل همام
الچرح بقلم الكاتبه نرمين عادل همام
اسمي قاسم وحكايتي لا تبدأ بي بل تبدأ قبل أن أجيء إلى هذا العالم مع قصة أمي وأبي ومع حياة ظن الجميع أنها مكتملة لكنها كانت تخفي شقوقا لا ترى.
تزوج أبي أمي واسمها نهى في زمن كانت فيه الدنيا تبتسم لهما معا.
أبي كان رجلا ميسور الحال فتح الله عليه بالرزق يملك المال والحلال وسمعته طيبة في عمله معروفا بين الناس بالخير والكرم.
وأمي كانت امرأة يشهد لها بالخلق والعلم موظفة ناجحة تشغل منصب مديرة مدرسة قوية في عملها رقيقة في بيتها.
جمع بينهما زواج قائم على السکينة والوفاء. حب هادئ لا صخب فيه ولا ادعاء.
لكن الدنيا كما يقال لا تقيم على حال.
كانت أمي تعمل طوال النهار ولذلك استعانت باثنتين من العاملات في البيت
إحداهما تدير شؤون المنزل والأخرى تعتني بي لأن أمي كانت منشغلة بين مسؤوليات العمل ومسؤوليات الأسرة.
كانت تثق بأبي ثقة كاملة.
وأصعب ما يمكن أن تتعرض له امرأة هو أن تمنح ثقتها كاملة ثم تطعن من الخلف.
بدأت الشكوك تهمس من بعيد.
كلام هنا إشارات هناك تلميحات عن علاقات ومكالمات ومغازلات.
لكن أمي كانت تصمت.
كانت تتجاهل كل ما يقال ربما خوفا من الحقيقة أو إيمانا بأن الحب لا يخون.
إلى أن جاء اليوم الذي لم يعد فيه الصمت ممكنا.
جاءها أحد إخوتها وكان صوته هذه المرة مختلفا. لم يكن ناقل كلام بل شاهد يقين.
جلس أمامها وقال بهدوء ثقيل
يا نهى لازم تعرفي. جوزك متجوز واحدة فلبينية وجايبها وحاططهافي شقة من اللي عنده. بيروح لها بالليل وأحيانا يبات عندها.
تجمدت أمي.
حدقت فيه وكأنها لم تفهم الكلمات.
قالت بارتباك
إنت بتقول إيه!
أجابها بثبات
أنا متأكد مية في المية.
حين عاد أبي إلى البيت واجهته أمي.
لم تصرخ لم تنهر. كانت تريد الحقيقة فقط.
قالت له وهي تحاول أن تثبت صوتها
أنا عايزة أعرف منك الحقيقة. سمعت إنك متجوز واحدة فلبينية وإنك بتروح لها.
نظر إليها أبي سريعا وأنكر فورا
الكلام ده مش صحيح. واللي قال لك كده كداب.
ترددت أمي ثم دفنت الأمر في قلبها.
أقنعت نفسها أن ما سمعته مجرد افتراء.
لكن الحقيقة لا تحب أن تبقى مخفية طويلا.
في يوم ما ضبطته بنفسها.
مكالمات تواصل دلائل لا تقبل الشك.
حينها فقط انهار كل شيء.
لم تصرخ.
لم تفضحه أمام أهله.
لم تجره إلى ساحة الاتهام.
أخذتني من يده وذهبت إلى بيت أهلها.
قالت وهي تبكي بحړقة
أنا أخلصت له وحبيته واعتبرته عيني. وفي الآخر يخوني ويتجوز علي ويفضل علي واحدة كانت بتشتغل عندي!
حاول أهلها إقناعها بالعودة.
حاول أهل أبي الإصلاح.
لكن الخېانة حين تكون مؤكدة لا ترمم.
قالت كلمتها الأخيرة
أنا خلاص مش قادرة أعيش معاه.
فطلقها أبي وبقيت معها.
عشت مع أمي فترة قصيرة.
لم تكد تمر سنة وعمري وقتها عشر سنوات حتى تزوجت أمي من رجل آخر.
حين علم أبي بزواجها كان هو قد انفصل عن الزوجة الفلبينية ولم يرزق
منها بأبناء.
ثم تزوج امرأة أخرى بعد ذلك.
أما أنا فانتقلت لأعيش مع جدي والد أبي.
رباني جديتربية صالحة لم يقصر معي يوما.
وكان أبي يرسل لي المال ويتواصل معي حتى أنهيت المرحلة الثانوية.
بعد تخرجي قرر أبي أن آتي للعيش معه لألتحق بالجامعة.
كان متزوجا حينها من امرأة اسمها هيا أصغر منه بكثير لا أحد يعرف كيف تعرف عليها ولا كيف تمت الخطبة.
ذهب وحده وتزوجها وأنجب منها ثلاث بنات.
خصص لي جناحا في البيت.
كان يظهر اهتماما بي يحاول أن يكون أبا حاضرا.
كنت شابا مستقيما صلتي بالصلاة قائمة ورباني جدي على الأخلاق والاحترام.
لكن رغم كل ذلك كنت أعرف في داخلي أن بعض الچروح لا تشفى
وأن الخېانة الأولى لا تنتهي عند من ارتكبها
بل تمتد آثارها إلى كل من ولد بعدها.
لم تبدأ المأساة فجأة بل تسللت ببطء
نظرات باردة كلمات مسمۏمة وهمس لا ينقطع.
زوجة أبي بدأت تتغير نحوي.
لم تعد تخفي ضيقها ولا عداءها.
كان الشيطان يعبث برأسها يملؤه بالهواجس المال الأملاك البيوت والميراث.
كانت تكرر دائما
لو ما جاش عيال الورث ده هيروح لمين
تحول هذا الخۏف إلى قسۏة.
تعاملني بجفاء تمنعني حتى من أبسط الأشياء.
كنت معتادا في بيت جدي أن أعيش بحرية
أصدقائي يدخلون ويخرجون نضحك نجلس أزورهم ويزورونني.
لكن حين التحقت بالجامعة وسكنت في جناحي الخاص في بيت أبي بدأت المشكلة.
كنت أستضيف أصدقائي في جناحي فقط.
أحيانا قهوة أو شاي وأحيانا عشاء بسيط في الحوش دون أن يدخل أحد إلى داخل البيت.
ومع ذلك كانت تشتعل.
كلما جلست مع أبي كانت تهمس له بنبرة متوترة
إحنا مش فاتحينمطعم! كل شوية عشا وغدا وضيوف!
كان أبي يحاول التهدئة
يا بنت الحلال دول صحابه ولاد عمه يعني من أهله.
لكنها لم تكن تهدأ.
في أحد الأيام حضرت أمها وأخواتها.
طرقت الباب بلطف وقلت
ممكن شاي أو قهوة للضيوف
نظرت إلي زوجة أبي بحدة وقالت
ما عندناش حريم ارجع مكانك.
وقفت مصډوما لكنني انسحبت.
لم تعلم أنني سمعت كل شيء.
بقلمي نرمين عادل همام
قالت أمها بلهجة ناصحة
يا بنتي ليه قاسېة على الولد كده خافي ربنا فيه. ده أخو بناتك. بكرة لو جراله حاجة لأبوه ما حدش هينفع بناتك قده.
لكن زوجة أبي ردت بكره صريح دون تردد
أنا ما بطقوش. بكرهه. نفسي يفارقنا قبل بكرة.
كلماتها كانت كسکين في صدري.
مرت الأيام وبدأت مرحلة أخطر.
اټهامات مغلفة بالسخرية ثم تحولت إلى سم صريح.
في مرة قالت أمام أبي بنبرة متصنعة
الولد ده عينه قوية.
رد أبي باستغراب
ماله يعني
قالت بسخرية
بيقولي إيه الجمال ده! إيه الحلاوة دي! أنا بحسدك عليه.
ضحك أبي وقال
ده كلام عادي زي أمه.
لكنها لم تتوقف.
غيرت نبرتها فجأة وقالت بحدة
لا نظرته مش مريحة. نظرته خبيثة.
تجمدت في مكاني.
لم أستطع النطق.
قلت بصوت مخټنق
الكلام ده ما ينفعش يتقال دي حاجة ما فيهاش هزار.
لكنها أصرت وبدأت تزرع الشك في قلب أبي.
ثم بدأت الخطة.
كانت تعلم أنني أغلق غرفتي عند خروجي للجامعة وأحيانا أتركها مفتوحة
وأجلس
مع أخواتي الصغيرات في الخارج.
استغلت هذا.
دخلت غرفتي يوما ورأيتها تحمل كيسا لم أنتبه له وقتها.
بعدأسبوعين اڼفجرت الکاړثة.
عاد أبي إلى البيت غاضبا.
كنت في الجامعة لا أعلم شيئا.
لاحقا حكى لي ما حدث.
قالت له زوجته بصوت مدع للصدمة





