قصص قصيرة

ابن البستاني أعاد صوت ابنة المليونير… لكن ما كُشف بعدها داخل القصر كان أخطر من الموت نفسه!

هو الأهم أن ينجو ليو وأن ينجو مانويل.
لم يترك ذلك للصدفة.
أصدر أمرا بنقل الاثنين إلى مستشفاه الخاصذلك المستشفى الذي لا يدخل إليه إلا من يملك ما يكفي لشراء أجنحة كاملة والذي يملك غرف عمليات تدار كأنها طائرات حربية دقيقة سريعة لا تعترف بالخطأ.
وصل مانويل أولا. كان جسده محطما كما لو أنه التقى بالحديد وجها لوجه. كسور متعددة كدمات واسعة نزيف داخلي يحتاج إلى تدخل عاجل.
وصل ليو بعده بدقائق. رأسه ملفوف جسده صغير على سرير كبير وأنفاسه بطيئة. ارتجاج قوي كسور في الذراع والضلوع وجروح سطحية لكنها تحمل رائحة الموت القريب.
وقف ريكاردو أمام باب غرفة العمليات وهو يسمع كلمة واحدة من الجراح
سنحاول.
كلمة سنحاول لا تعني شيئا لرجل مثله. هو لا يدفع الملايين كي يحاولوا. لكنه هذه المرة لم يجادل. لم يساوم. لم يصرخ. اكتفى بأن ينظر للطبيب نظرة واحدة نظرة رجل يقول من دون كلام
إن فشلت فلن أسامح العالم.
عاد إلى غرفة ابنته. كانت مستيقظة نصف يقظة عيناها تلمعان بوعي خافت كأنها تمسك بالحياة من طرف رقيق. كانت تمسح بيديها الغطاء تحاول أن تتأكد أن ما يحدث حقيقة وليس حلما.
اقترب منها وجلس.
لم يقل كيف تشعرين
لم يقل هل أنت بخير
لم يسألها أسئلة الأطباء.
قال فقط بصوت منخفض
أنا هنا.
ثم كرروكأنه يريد أن يثبتها داخل رأسها كما يثبت توقيعا على عقد
أنا هنا ولن أتركك.
نظرت إليه طويلا ثم همست بجهد
ليو
أومأ فورا
سيكون بخير. سأعيده لك.
كانت تلك الجملة أكبر من وعد أب. كانت قسما.
مرت الساعات ثقيلة. وكل ساعة كانت تحمل احتمالين
إما أن يخرج طبيب ويقول نجونا
أو يخرج ويقول انتهى الأمر.
ريكارودو لم يكن قادراعلى التنفس كما ينبغي. كان يجلس أحيانا على كرسي في الممر يحدق في الأرض ثم يقف فجأة وكأن النار اشتعلت تحته يعود إلى غرفة ابنته يمسك يدها يطمئنها ثم يخرج مرة أخرى إلى الممر ليعود ذلك الوحش الذي يبحث عن الجناة.
وفي الليل كانت أماليا قد ظهرت في المستشفى.
دخلت بكامل أناقتها كأنها جاءت إلى حفل رسمي لا إلى رائحة دم ومعجزات. وقفت عند الباب لحظات ثم تقدمت بخطوات محسوبة.
قالت
سمعت بما حدث يا للهول.
نظر إليها ريكاردو نظرة طويلة نظرة رجل يقرأ ما وراء الأقنعة. لم يرد.
حاولت الاقتراب من السرير لكن ريكاردو مد يده ببطء وأوقفها بإشارة واحدة.
لا.
تجمدت.
ريكاردو أنا عمتها. هذا طبيعي
قال ببرود
الطبيعي أن تكوني حيث يكون قلبك. وقلبك ليس هنا.
ارتبكت للحظة ثم حاولت تحويل الحديث
أين الطبيب كيف حالتها
قال
أخرجي.
كلمة واحدة.
لكنها حملت في طياتها كل ما لم يقله.
خرجت أماليا وقد فهمت أن شيئا تغير وأن خطتها لم تؤذ الطفل فقط بل أطلقت وحشا داخل أخيها.
بعد يومين رن هاتف ريكاردو.
كان رئيس الأمن.
قال بهدوء مخيف
وجدناه.
لم يتحرك وجه ريكاردو.
من
السائق.
صمت لحظة ثم
تكلم
اعترف. لم يحتمل الضغط. لدينا تسجيل كامل.
أغمض ريكاردو عينيه للحظة. ليس ارتياحا. بل لأن الغضب الذي بداخله كان أكبر من أن يتحمله جسده مفتوح العينين.
سأل بصوت ثابت
من أمره
تردد الرجل للحظة.
وهذا التردد كان كافيا ليعرف ريكاردو أن الجواب سيحرق.
قال الرجل أخيرا
الاسم لم يذكره صريحا لكنه قال امرأة من العائلة. وذكر تفاصيل لا يعرفها إلا من كان قريبا جدا.
فتح ريكاردو عينيه.
لم يقل أماليا.
لم يحتج.
كان الاسم يتدحرج وحده في عقله.
قال
فقط
لا تفلتوا شيئا. أريد كل شيء. كل مكالمة كل تحويل كل شاهد. أريد الحقيقة كاملة دون رقع.
ثم أغلق الهاتف.
عاد إلى غرفة ابنته. كانت تنظر إليه وكأنها تفهم أن العالم خارج الباب ليس كما يبدو.
قال لها
سوفيا سأكون صريحا معك. هناك أشياء في عائلتنا ليست سليمة.
تعبت وهي تحاول التركيز لكن عينيها كانت تقول أخبرني.
لم يقل الكثير. لم يرد أن يهدم عالمها وهي ما تزال تقاتل للعودة.
قال فقط
لن أسمح لأحد أن يؤذي صديقك مرة أخرى.
في اليوم الثالث فتح ليو عينيه.
كانت عينيه أول ما تبحث عنه لا السقف ولا الطبيب ولا الضمادات.
كان يبحث عن صوت يعرفه.
قال بصوت ضعيف
سوفيا
كان الطبيب حاضرا.
قال له
هي بخير. وهي سألت عنك قبل أن تسأل أنت عنها.
تجمعت الدموع في عين ليو رغم التعب.
بعد ساعات دخل ريكاردو عليه.
وقف عند الباب لحظة لا يعرف كيف يتحدث. لأول مرة في حياته يقف أمام طفل لا يملك معه لغة المال ولا لغة الأوامر.
اقترب وجلس قرب السرير.
قال بصوت متماسك
لقد أنقذت ابنتي.
هز ليو رأسه بضعف
هي صديقتي
ابتسم ريكاردو ابتسامة صغيرة كأنها خرجت بصعوبة من بين شقوق قلب متحجر
وأنت صرت صديقي أيضا.
ثم وضع يده على كتف الطفل وقال شيئا لم يكن يتوقع أحد أن يقوله رجل مثله
من الآن فصاعدا لن تكون وحدك.
مرت الأسابيع.
سوفيا تحسنت تدريجيا. صوتها بدأ يقوى. صارت تضحك أحياناضحكة قصيرة ثم تتعب ثم تحاول مرة أخرى. جسدها استعاد بعض الحركة. عيناها صارتا تلمعان بوعي كامل. كانت تنادي أباها باسمه أحيانا وهي لا تزال تتعلم معنى العودة. وكانت كل مرة تقول أبي كأنها تعطيه فرصة ثانية للحياة.
وكان ليو يأتي كل يوم.
يجلس قربها يحكي
لها عن الحديقة عن الأشجار عن القطة التي ولدت صغارا عن زهرة جديدة فتحت بتلاتها. وكان ريكاردو يراقبه من بعيدلا كصاحب قصر بل كأب يتعلم شيئا لم يتعلمه طوال عمره
أن الحب ليس عقدا وليس ثمنا بل حضور.
أما أماليا فقد بدأت دائرة نفوذها تضيق.
لم تعد قادرة على الاقتراب. ولم تعد كلماتها تصدق.
كان ريكاردو قد بدأ يتحرك بهدوء قاتل تغييرات في الوصايا مراجعات في الأصول نقل صلاحيات فصل أشخاص إعادة ترتيب شبكة الثقة. لم يكن يصرخ. لم يكن يفضح. كان يفعل ما يفعله حين يريد إنهاء خصم يقطع عنه الهواء قبل أن يعرف أنه يخنق.
وفي أحد الأيام واجهها أخيرا في مكتب داخل القصر.
قال
أريدك أن تغادري.
حاولت أن تضحك
أنا أغادر أنا من العائلة.
قال ببرود
العائلة لا تقتل الأطفال لتكسب مالا.
تجمد وجهها.
كيف تجرؤ
لم يرد.
فتح ملفا ووضعه أمامها مكالمات تحويلات شاهد تسجيل.
ثم قال
لدي خياران. إما أن أغلق الباب بهدوء أو أفتحه على العالم كله.
فهمت.
وخرجت.
بعد ستة أشهر أشرقت الشمس على مياه مسبح قصر كاستيو الزرقاء.
كانت سوفيا تقف عند الحافة قدمها ترتجف قليلا لكنها تبتسم. كان ليو في الماء يمد لها يده.
قال لها
ثقي بي سأمسكك.
قالت وهي تضحك بخوف جميل
الماء بارد يا ليو!
رشها بالماء ضاحكا. رشته. ثم بدأت حرب ماء صغيرة.
ريكارودو كان يقف هناك يراقب.
لم يكن ينظر نظرة رجل يملك كل شيء.
كان ينظر نظرة رجل كاد يفقد كل شيء ثم أعيد إليه أهم شيء
صوت ابنته وضحكتها وسبب جديد ليكون إنسانا.
انسابت دمعة على خده.
لكنها لم تكن دمعة ألم.
كانت دمعة شكر.
لأن في قلب الظلام ظهر صبي صغيرلا يملك شيئا سوى الإيمان والصداقةوأعاد لعالمكامل نبضه.
وفي تلك اللحظة فهم ريكاردو أخيرا أن الثروة قد تنقذ جسدا
لكنها لا تعيد روحا.
الروح يعيدها الحب.
والحب كان اسمه ليو.

الصفحة السابقة 1 2 3

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock