قصص قصيرة

جدي ربّاني وحده بعد وفاة والديّ

أشهر من البقاء قبل أن أفهم خطوتي التالية.
ثم بعد أسبوعين من الجنازة تلقيت اتصالا من رقم مجهول.
جاءني صوت امرأة عبر الهاتف
اسمي السيدة سارة 
أنا من البنك وأتصل بخصوص جدك الراحل.
بنك. تلك الكلمات التي طالما كرهتها لا نستطيع تحمل ذلك اندفعت إلى ذهني من جديد لكن هذه المرة بوقع أشد رعبا كان فخورا أكثر من اللازم ليطلب المساعدة والآن سأحمل أنا مسؤولية دين ضخم غير مسدد.
لكن كلماتها التالية كانت غير متوقعة إلى درجة أنني كدت أسقط هاتفي.
جدك لم يكن كما تظنين. نحتاج أن نتحدث.
قلت بقلق
ماذا تعنين بأنه لم يكن كما أظن هل كان في ورطة هل كان مدينا لأحد
قالت
لا يمكننا مناقشة التفاصيل عبر الهاتف. هل يمكنك الحضور هذا بعد الظهر
أجبت
نعم سأكون هناك.
عندما وصلت إلى البنك كانت السيدة في انتظاري
اقتادتني إلى مكتب صغير ومعقم.
قالت وهي تطوي يديها بأناقة على المكتب
شكرا لقدومك يا ليلى. أعلم أن هذا وقت صعب عليك.
قاطعتها باندفاع
قولي لي فقط كم كان مدينا به. سأجد خطة للسداد أعدك.
رمشت بدهشة وقالت
لم يكن مدينا بأي شيء يا عزيزتي. بل على العكس تماما. كان جدك من أكثر المدخرين التزاما الذين سعدت بالعمل معهم.
قلت مذهولة
لا أفهم. لم يكن لدينا مال. كنا نعاني حتى لدفع فاتورة التدفئة.
مالت إلى الأمام وما قالته بعد ذلك جعلني أدرك أن جدي كان يكذب علي طوال حياتي.
قالت
يا ليلى جاء جدك إلى هنا قبل ثمانية عشر عاما وأنشأ صندوقا تعليميا خاصا ومقيدا باسمك. وكان يودع في ذلك الحساب مبلغا كل شهر.
ضربتني الحقيقة كقطار مسرع.
لم يكن جدي فقيرا بل كان متقشفا عن قصد وبطريقة مدروسة. في كل مرة قال فيها لا نستطيع تحمل ذلك يا صغيرتي كان في الحقيقة يقول لا أستطيع تحمل ذلك الآن لأنني أبني لك حلما.
ثم مدت السيدة نحوي ظرفا.
قالت
أصر على أن أعطيك هذه الرسالة عندما تحضرين. كتبها قبل عدة أشهر.
التقطت الظرف وكانت أصابعي ترتجف وأنا أفتح الورقة الوحيدة بداخله.
عزيزتي ليلى
إذا كنت تقرئين هذا فهذا يعني أنني لا أستطيع أن أمشي معك إلى الحرم الجامعي بنفسي وهذا يكسر قلبي العجوز. أنا آسف جدا يا صغيرتي.
أعرف أنني قلت لا كثيرا أليس كذلك كنت أكره ذلك لكن كان علي أن أتأكد من أنك ستحققين حلمك في إنقاذ كل هؤلاء الأطفال تماما كما قلت لي يوما إنك تريدين.
هذا البيت لك والفواتير مدفوعة لفترة من الزمن والصندوق أكثر من كاف لتغطية رسومك الدراسية وكتبك وحتى هاتف جديد جميل أيضا!
أنا فخور بك جدا يا ابنتي. أنا معك دائما هل تعلمين دائما.
كل حبي
جدك.
انهرت بالبكاء هناك في المكتب.
وعندما رفعت رأسي أخيرا كانت عيناي متورمتين لكن وللمرة الأولى منذ وفاة جدي لم أشعر وكأنني أغرق.
سألت السيدة رينولدز
كم المبلغ الموجود في الصندوق
نقرت على لوحة مفاتيح حاسوبها قليلا ثم قالت
يا ليلى لقد حرص على أن تكوني في أمان تام. الرسوم الدراسية كاملة والسكن والطعام ومصروف سخي لأربع سنوات في أي جامعة حكومية.
قضيت الأسبوع التالي أبحث في الجامعات وقدمت إلى أفضل برنامج للخدمة الاجتماعية في الولاية.
وتم قبولي بعد يومين فقط.
في تلك الليلة نفسها خرجت إلى الشرفة ونظرت إلى النجوم وهمست بالقسم الذي قطعته له في اللحظة التي قرأت فيها رسالته
سأذهب يا جدي. لم أحاول حتى مسح الدموع التي انهمرت على وجهي.
سأنقذهم جميعا كما أنقذتني أنت. كنت بطلي حتى النهاية. أنت أوصلتني إلى هنا. فعلت ذلك حقا.
كانت كذبة الفقر أعظم فعل حب عرفته في حياتي.
وكنت عازمة على أن أعيش حياة تليق بتلك التضحية.
هل ذكرتك هذه القصة بشيء من حياتك لا تتردد في مشاركته

الصفحة السابقة 1 2

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock