
جدي ربّاني وحده بعد وفاة والديّ
جدي رباني وحده بعد وفاة والدي وبعد أسبوعين فقط من جنازته اكتشفت الحقيقة التي أخفاها عني طوال حياتي
أنا في الثامنة عشرة الآن.
لكن عندما كنت في السادسة انتهت حياتي مرة واحدة بالفعل.
خرج والداي من المنزل في ليلة ممطرة من ليالي نوفمبر ولم يعودا أبدا. سائق مخمور تجاوز الخط الفاصل ومحا وجودهما في ثوان. أتذكر الكبار وهم يتهامسون في الزوايا يخفضون أصواتهم كلما مررت بجوارهمكلمات مثل إيداع النظام بيوت مؤقتة كانت تطفو فوق رأسي كتهديدات.
ثم وقف جدي.
كان في الخامسة والستين. كانت يداه ترتجفان عندما يغضب وركبتاه تصدران طقطقة حين ينهض. ومع ذلك ضرب بيده على الطاولة وقال
هي لي. ستعود إلى البيت معي.
لا نقاش. لا هلع أوراق. فقط يقين.
منذ ذلك اليوم صار كل شيء.
أعطاني غرفته وانتقل هو إلى الغرفة الأصغر دون أن يذكر الأمر يوما. تعلم كيف يجدل شعري من مقاطع يوتيوب مهتزة يعيد المقطع نفسه مرارا حتى استقامت أصابعه أخيرا. كان يجهز لي الغداء يوقع استمارات الإذن ويجلس على كراسصممت لرياض الأطفال خلال اجتماعات أولياء الأمور كأن ذلك لا يؤلمه على الإطلاق.
لم يكن لدينا الكثير.
لا رحلات. لا طعام مطاعم. لا مفاجآت مغلفة بورق لامع.
كلما طلبت شيئا إضافيا كان يبتسم برفق ويقول
لا نستطيع تحمل كلفة ذلك يا صغيرتي.
كنت أكره تلك الجملة.
كرهتها عندما كانت الفتيات الأخريات يأتين بملابس جديدة بينما أرتدي المستعمل. عندما كن يبدلن هواتفهن وأحمل أنا هاتفا بشاشة متشققة. كرهته لأنه قال لا كثيرا لدرجة أنني كنت أبكي في وسادتي ليلا مقتنعة أنه فقط لا يريد أن يعطيني المزيد.
لم أفهم حينها كيف يبدو التضحية.
ثم مرض.
الرجل الذي حمل عالمي كله على ظهره لم يعد يستطيع صعود السلالم دون أن يتوقف ليلتقط أنفاسه. اختفت ضحكته. ازدادت رجفة يديه. ولأول مرة أدركت أمرا مرعبا
إن فقدته فقدت كل شيء.
عندما مات ساد الصمت حياتي.
توقفت عن الأكل.
توقفت عن النوم.
كنت أمر بالأيام كالشبح داخل جسدي.
بعد أسبوعين من الجنازة رن هاتفي.
رقم مجهول.
كدت أتجاهله.
لكن الصوت في الطرف الآخر كان هادئا. باردا. واثقا.
قال الرجل
جدك لم يكن كما تظنين.
وهناك أمور تستحقين أن تعرفيها.
سقط قلبي في صدري.
نحتاج أن نتحدث.
وفي تلك اللحظة أدركت أن الرجل الذي رباني وحماني ومنحني كل ما يملك
كان يحمل أيضا سرا ثقيلا بما يكفي ليغير حياتي كلها
بالنسبة لي لم يكن مجرد جدي.
كان بطلي.
عندما تخلت الدنيا عني هو وقف بجانبي ولكن كان كل شيء مرفوض والأشياء الرفاهية امر مرفوض فغضبت منه و عندما مرض حياتي توقفت اختفى الغضب فورا وحل مكانه خوف عميق إلى حد أن معدتي كانت تؤلمني
الرجل الذي كان يحمل عالمي كله على كتفيه لم يعد قادرا على صعود السلالم دون أن يتوقف ليلتقط أنفاسه. لم نكن نملك ثمن ممرضة وبالطبع لم نكن فصرت أنا من يعتني به.
كان يحاول دائما التقليل من الأمر مبتسما على الدوام.
قال
سأكون بخير.
مجرد نزلة برد. ركزي أنت على امتحاناتك.
نظرت إليه وفكرت
هذا غير صحيح.
قلت بهدوء وأنا أقبض على يده
من فضلك دعني أعتني بك.
كنت أوازن بين فصلي الأخير في الثانوية ومساعدته على الذهاب إلى الحمام وإطعامه ملاعق من الحساء والتأكد من أنه يتناول كميته الكبيرة من الأدوية.
في كل مرة أنظر إلى وجهه الذي كان يزداد نحولا وشحوبا كل صباح كنت أشعر بالذعر يرتفع في صدري. ماذا سيحدث لنا نحن الاثنين
في إحدى الأمسيات كنت أساعده على العودة إلى السرير عندما قال شيئا أقلقني.
كان يرتجف من شدة الجهد بعد تلك المسافة القصيرة إلى الحمام. وحين استقر في السرير ثبت عينيه علي بنظرة لم أر مثلها من قبل.
قال
ليلى أحتاج أن أخبرك بشيء.
قلت
لاحقا يا جدي. أنت مرهق وتحتاج إلى الراحة.
لكن لم يكن هناك لاحقا.
عندما توفي أخيرا في نومه توقف عالمي.
كنت قد تخرجت لتوي من المدرسة الثانوية وبدلا من أن أشعر بالحماس أو الأمل وجدت نفسي عالقة في مساحة مرعبة بين ما كان وما سيكون شعور يشبه الغرق.
توقفت عن الأكل بشكل صحيح.
وتوقفت عن النوم
ثم بدأت الفواتير تصل الماء الكهرباء ضريبة العقار كل شيء.
لم أكن أعرف ماذا أفعل بها.
كان جدي قد ترك لي البيت لكن كيف سأستطيع تحمل تكاليفه كان علي أن أجد عملا فورا أو ربما أبيع البيت فقط لأشتري لنفسي بضعة





