قصص قصيرة

بنتي المفقودة

في صباح يوم هادئ من أيام ربيع 2017 استيقظت مبكرا كعادتي. فتحت الستائر نظرت إلى الشارع الهادئ من نافذة الطابق الثاني. لكن هذا اليوم لم يكن عاديا الباب الأمامي للمنزل كان مفتوحا. قلبي بدأ يسبقني بخطوات. جريت إلى أوضة بنتي الصغيرة سارة اللي كان عمرها وقتها 4 سنين لكن السرير كان فاضي.
في اللحظة دي حسيت إن العالم كله اتقلب. الصدمة شلتني. جريت لجوزي صحيته وبدأنا ندور في كل ركن في البيت والشارع والعمارة. دقائق مرت كأنها ساعات وأيام مرت كأنها عمر كامل. بلغنا الشرطة وانتشرت صورها في كل مكان على أعمدة النور في وسائل التواصل الاجتماعي في الجرايد وحتى في بعض المواقع اللي كانت بتقدم إعلانات مدفوعة مقابل نشر بلاغات فقدان الأطفال.
رغم إننا لجأنا لكل وسيلة ممكنة من خدمات البحث السريع لصفحات مفقودين على فيسبوك وحتى شركات الأمن الخاصة لكن ولا خيط.
الناس كانت بتتصل بينا على مدار الساعة وكل مكالمة كانت كأنها بصيص أمل جديد. فيمرة جالنا تليفون من رقم غريب من دولة عربية وقالوا إنهم شافوا بنت زيها ووقتها فكرنا حتى نلجأ ل خدمة القروض الشخصية علشان نقدر نسافر ونتأكد لكن الأمل كان كاذب.
مرت شهور وأكثر من سنة بدون نتيجة. كل يوم كان بيعدي وجوايا حاجة بتموت. لكن جوزي رغم إن الحزن كان باين في عينيه فضل يبقى سندي. حتى وهو مكسور كان بيقولي دايما هنعديها بس لازم نكمل عشان نعيش.
سنين الألم… ووميض الأمل
السنين عدت ببطء. سنة ورا سنة وللأسف الشرطة قالت كل الطرق وصلت لطريق مسدود. أنا ما كنتش قادرة أصدق. دي مش حاجة تخلص كدا. ده أمن أسري مهدد ده قلب أم اتكسر.
في لحظة معينة قررنا نكمل حياتنا رغم الألم. بعد أكتر من 4 سنين اكتشفت إني حامل تاني. كنت مرعوبة. خوفي ماكنش من الحمل خوفي كان إني ممكن أفقد بنتي الجديدة كمان. لكن جوزي قال لي بهدوء المرة دي هتكون مختلفة. وكان عنده حق.
ولدت بنت سميناها جينيفر. كانت صورة طبق الأصل من أختها سارة نفس الضحكة نفس نظرة العيون نفس الألعاب اللي بتحبها. كانت بتتفرج على نفس أفلام الكرتون بتحب نفس نوع الأكل وبتفضل نفس قنوات الأطفال. الموضوع كان غريب لدرجة إننا فكرنا نسجل يومياتها ونتواصل مع قنوات اليوتيوب المتخصصة في الطفولة لمشاركة القصة.
عدت سنين وجينيفر كبرت. كنت بأخدها كل يوم جمعة على الحديقة العامة جنب الغابة الصغيرة. وفي يوم عادي جدا كنت قاعدة على كرسي وأنا ببص عليها وهي بتلعب على الزحليقة تليفوني رن
رسالة من جوزي بيقولي هنتعشى إيه النهارده. رديت بسرعة ورفعت عيني ما لقتهاش.
صرخت جينيفر! ولقيتها طالعة من وسط الزرع ووشها عليه تراب وقلقانة. حضنتها وقلتلها فين كنتي ردت وهي بتبص في الأرض بحفر حفرة سارة قالتلي أحفر هنا يا ماما. وقفت مكاني مش قادرة أتنفس. سارة! جبت الجاروف وروحنا.
تاني يوم رجعنا لنفس المكان. بدأت أحفر. حفرت وحفرت لحد ما الجاروف خبط في حاجة صلبة. طلعتها بحذر كانت جمجمة صغيرة وجنبها حلق على شكل فراشة. نفس الحلق اللي كانت سارة لابساه يوم ما اختفت.
قالت جينيفر بهدوء وهي بتبتسم هي دي سارة يا ماما. كانت بتظهرلي. وقالتلي هو اللي سابها هنا.
انفجار الحقيقة… وسقوط القناع
رجعنا للبيت وقلبي مش بيهدى. قررت أواجه جوزي وقلت له هو مين اللي سابها. سكت. لأول مرة أشوفه بيتهز بالشكل ده. بعد ضغط كبير اعترف.
قال لي إنه يوم ما اختفت سارة كان شاكك إنها مش بنته بسبب بعض الشكوك والمشاكل العائلية القديمة. حصلت مشادة بينه وبينها واللي حصل بعدها كان حادث غير مقصود على حد وصفه. لكن بدل ما يبلغ الشرطة  وعاش الدور وكأن بنتنا اتخطفت.
بلغت الشرطة فورا. وتم القبض عليه. كل الصحف والمواقع الإخبارية اتكلمت عن القضية اللي هزت الرأي العام وظهرت على برامج التلفزيون والعناوين الرئيسية في صفحات الجرائد.
حتى بعض المواقع كتبت عنها بعناوين مثل
تفاصيل مأساة الأم التي فقدت ابنتها واكتشفت الحقيقة بعد 8 سنوات احذروا الأسرار داخل المنزل
كارثة إنسانية تهز المجتمع المصري الأمن يكشف لغز اختفاء الطفلة بعد 8 سنوات
مأساة أسرية وراءها شكوك الأنساب وخلافات عائلية قصة حقيقية من داخل أسرة مصرية
ما بعد الانهيار وبداية جديدة
بعد القبض عليه بدأ فصل جديد من حياتي. عرفت أقدر قيمة الوقت قررت أبدأ مشروع بسيط أونلاين لبيع منتجات أطفال بدعم من برامج التمويل الصغير المتاحة في مصر زي قرض المرأة المعيلة من بعض البنوك اللي بتدعم النساء ودي ساعدتني أرجع للحياة.
وفتحت صفحة على الفيسبوك وبدأت أشارك قصتي لحد ما جالي عرض من قناة تلفزيونية معروفة تعمل معايا لقاء. وفعلا ظهرت وحكيت قصتي أمام الملايين. بعدها ناس كتير كلموني بعضهم عرض عليا فرص شغل من المنزل وبعضهم بعت لي مساعدات وآخرين شاركوا قصصهم الحقيقية.
هل دي النهاية ولا بداية لشفاء حقيقي
سارة اختفت من حياتي بشكل مأساوي لكن ظهور الحقيقة خلاني أتنفس من جديد. وجينيفر هي المعجزة اللي أنقذتني. كل يوم بنقضيه سوا بنحاول نعيش نضحك نحب الحياة.
أنا مش هنسى لكني هسامح.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock