قصص قصيرة

ثلاثة عشر عامًا من الصمت إلى أن فتح فتى فقير عيني الحقيقة

كان ردّ فعل تالبوت مزيجًا من الغضب والخوف، ما أوحى بأنه يعلم أكثر بكثير مما اعترف به علنًا عن شلل ابنته، وأشعل فورًا سيلًا من التكهنات حول احتمال تورّطه في الإبقاء على حالتها كما هي.

راحت الفتاة ترمش بجنون، محاولة إيصال رسالة ملحّة، بينما أصرّ إلياس على أنها تحاول كشف المسؤول الحقيقي عمّا حدث لها، في حين تردّد العاملون بين اعتباره شجاعًا أو مجنونًا يدفع بنفسه إلى الهلاك.

عندها تقدّمت ممرضة بخطواتٍ مرتجفة، واعترفت بأنها كانت تتلقّى أوامر بإعطاء الفتاة “مُثبِّتًا” يوميًّا، لكنها لم تُسمَح لها يومًا بمعرفة مكوّناته أو مناقشة الجرعة.

هذا الاعتراف، عندما تسرّب إلى وسائل التواصل الاجتماعي، فجّر عاصفةً هائلة؛ ملايين الناس اتّهموا الملياردير بأنه سجن ابنته كيميائيًّا في جسدها، لتصبح القضية واحدة من أكثر الفضائح صدمةً وإثارةً للجدل في ذلك العقد.

أنصار تالبوت قالوا إنه تصرّف بدافع اليأس، معتمدًا على علاجات تجريبية لمساعدة ابنته، لكن المنتقدين أصرّوا على أنه لا أبًا يمتلك ذرة تعاطفٍ يمكن أن يخفي مؤشراتتحسّن أو يسكت طفلةً تستجديه الحرية.

نشطاء حقوقيون طالبوا بتحقيقٍ علني، مؤكدين أن شلل الفتاة ربما كان ناتجًا عن تدخلٍ دوائي مقصود، بينما خشي آخرون أن تكون الحقيقة أكثر قتامة، ومرتبطةً بأعداء تالبوت في عالم الأعمال.

ومع اشتداد الضغط، وُضع إلياس قيد الإقامة الجبرية داخل القصر، لكنه رفض أن يُسكت، وأصرّ على أنه سيحمي الفتاة حتى لو كلّفه ذلك مصدر رزقه الوحيد.

خلسةً، واصل قراءة إشاراتها عبر كاميرات المراقبة، وتعلّم أنها تريد من العالم أن يعرف أنها كانت واعية طوال الوقت، وأن الأدوية هي التي سلبت منها القدرة على الحركة.

أشارت له بعينيها نحو دفتر مخفيّ تحت سريرها، يحوي سجلات كتبتها باستخدام جهاز خاص يعتمد على حركة العين، وثّقت فيه كل ما تعرّضت له طوال سنوات.

خاطر إلياس بكل شيء ليستعيد الدفتر، فهرّبه خارج القصر داخل عربة الغسيل، وهو يخطّط لفضح الحقيقة، بينما كان الحراس يفتّشون بجنون عن وثائق مفقودة.

بلغت الفضيحة نقطة اللاعودة عندما حرّكت الفتاة يدها كاملة أمام الكاميرات خلال زيارة مُصوَّرة، لتقدّم دليلًا قاطعًاعلى أنها بدأت تستعيد قدرتها على الحركة قبل أن يعترف تالبوت بذلك بوقت طويل.

ملايين الناس طالبوا بالعدالة، وخرجت موجات غضبٍ عارمة على منصّات التواصل الاجتماعي وفي البرامج الإخبارية، رافعين شعارًا واحدًا: “لن نصمت حتى تظهر الحقيقة كاملة.”
ومع كل بيان رسمي يصدر، ومع كل تصريح جديد من المتحدثين باسم عائلة تالبوت، كانت الشكوك تتضاعف بدل أن تهدأ. فهناك من كان مقتنعًا بأن ما ظهر حتى الآن ليس إلا الجزء السطحي من قصةٍ أعقد بكثير ممّا تبدو عليه، وأن القوى التي حالت دون كشف الحقيقة طوال ثلاثة عشر عامًا، لا يمكن أن تكون مجرد قرار طبي خاطئ… بل منظومة كاملة تعمل في الخفاء.

كان البعض يؤكّد أن سجلّات المستشفى الخاص الذي تعامل معه تالبوت قد اختفت من دون تفسير. آخرون تحدّثوا عن أطباء غادروا البلاد فور بدء التحقيقات، وممرضات حصلن على مبالغ خيالية مقابل توقيع اتفاقيات صمتٍ مشبوهة.
وكلّما ظهرت معلومات جديدة، بدا أنّ الصورة الحقيقية أبعد ما تكون عن الاكتمال؛ بل إن الجزء الأخطر من القصة لا يزال مطمورًا في مكانٍ ما، خلف جدران النفوذ،وحسابات الشركات، والخوف من قوة ملياردير اعتاد أن لا يُحاسَب مهما فعل.

ومع مرور الأيام، تحوّلت قضية الفتاة إلى صراع عالمي بين فريقين:
فريق يعتقد أن غريغوري تالبوت كان يخفي «علاجًا تجريبيًا» فشل فربطه بالسرية خوفًا من تدمير سمعته، وفريق آخر يرى أن الأمر يتجاوز العلاج ليصل إلى مؤامرة مدروسة كان الهدف منها إبقاء الفتاة عاجزة، ربما لحمايتها… أو لاستغلالها.

ومهما تعددت التفسيرات، بقيت حقيقة واحدة مستحيلة التجاهل:
لو لم يثق الفتى الفقير بحدسه البريء، ولم يتجرّأ على كسر الصمت ودخول ذلك الجناح المظلم، لبقيت الطفلة أسيرة سرٍّ ثقيل، تعيش وتموت بلا صوت، بينما تُطمر معاناتها تحت جبال من المال، والسلطة، والكذب، والتلاعب الطبي المدروس بعناية.

والآن، والعالم كلّه يراقب بأنفاسٍ محبوسة، والأسرار تتسرّب قطرةً بعد أخرى…
يبقى سؤال واحد أكثر رعبًا من كل ما ظهر حتى الآن، سؤالٌ لم يجرؤ أحد على الإجابة عنه صراحة:

من الذي شلَّ ابنة الملياردير عمدًا؟
ولماذا كان من الضروري أن تظلّ الحقيقة مختبئة لثلاثة عشر عامًا؟
وما الذيقد يحدث حين تُكشف آخر خيوط هذه القصة أمام الجميع؟

الصفحة السابقة 1 2

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock