
حكايات اسما السيد
الجار الوحيد اللي كنت بشوفه في العمارة كان واحد ست كبيرة اسمها “الحاجة نوال”. ساكنة قدّامنا، شعرها أبيض، بتشمّي ريحة كل حاجة في السلم كأنها حارسة المكان.
في ليلة، وأنا راجعة من الشغل بدري، قابلتها على السلم.
بصّت لي من فوق لتحت وقالت بابتسامة طيبة:
“إنتِ مرات هاشم، صح؟”
قلت:
“أيوه أنا زينة.”
قربت مني وقالت بصوت واطي:
“ربنا يعينك يا بنتي.”
الجملة وقفت في حلقي.
“يعينّي؟ على إيه؟”
ابتسمت ابتسامة فيها حزن قديم قوي:
“هاشم ولد طيب… بس بيشيل فوق طاقته. متخافيش… بس اسمعي الكلام كويس.”
“كلام مين؟”
همست:
“كلامه… وكلام غيره.”
عينها لمعت، وكأنها قالت حاجة زيادة عن اللزوم.
استدركت بسرعة:
“قصدي ما تعانديش كتير. الرجالة ما بتحبش العند.”
بس أنا حسّيت إن قصدها مش عن الرجالة…
قصدها عن حاجة تانية خالص.
—
ليلة الاتنين اللي بعده… كانت هي اللي غيرت كل حاجة.
الساعة كانت واحدة وخمسة وخمسين.
أنا صاحية… مش عارفة أنام.
قلبي حاسس إن في حاجة هتحصل النهارده مختلفة.
هاشم جنبّي، بس واضح إنه مش نايم، نفسه سريع، وصباعه بيلعب في ح edge المخدة.
بصيت له وقلت بهمس:
“هاشم… إنت صاحي؟”
ما ردش.
بس بؤه اتشدّ شوية.
بعد خمس دقايق… سمعناها.
دقّة على باب الشقة.
مش دق جامد، لأ…
ثلاث خبطات هادية… بين كل واحدة والتانية ثانية طويلة أوي.
جسمي اتج.. لّد.
كان قلبي بيدق في صدري لدرجة حسّيت إن الخبطة الرابعة هتيجي منه.
هاشم فتح عينه في الضلمة، وقعد ببطء.
ما بصش لي، بص نحية الباب، كأنه شايف اللي وراه.
الخبط جِه تاني.
ثلاث خبطات.
همس:
“افتكري اللي قولته، يا زينة.”
قلت وأنا صوتي بيرتعش:
“مش هتفتح؟”
“لأ.”
حصريات بيدج وجروب حكايات توته وستوته
“طب مين ده؟”
رد وهو بيقوم من السرير:
“مش لينا.”
وقف جنب السرير، كأنه واقف في صفّهم… مش في صفّي.
الخبط جِه تالت مرّة، بعد فترة أطول، المرة دي كان معاها حاجة تانية.
صوت.
صوت راجل… دافي… مألوف…
بيقول:
“زينة… افتحي، أنا هاشم.”
أنا اتجمّدت.
حصري وكامله لبيدج وجروب حكايات توته وستوته للكاتبه اسما السيد
بصيت للراجل اللي واقف جنبي، في أوضة النوم، في الضلمة…
والصوت برا الباب… بينادي باسمه.
هاشم اللي جنبي قال بصوت واطي جدًا:
“ما تسمعيش. ما تردّيش. ما تقوميشي من على السرير.”
بس الصوت برا الباب… كان بيقول:
“زينة… إنتِ صحية، عارِف. افتحي بقى… الجو برد بره.”
نفس الضحكة.
نفس التون.
نفس الطريقة اللي ينادي بيها اسمي.
حصري لصفحة حكايات توته وستوته للكاتبه اسما السيد
لو حد سمعني وأنا بحكي… هيقول لي “تهيؤات”.
بس أنا كنت حاسة إن في “اتنين هاشم” في اللحظة دي.
حكايات توته وستوته للكاتبه اسما السيد
واحد جوّه…
وواحد واقف برا… مستني باب يتفتح.
—
عيني دمعت.
قلت له وهو واقف جنبي:
“هاشم… ده صوتك.”
ما ردش.
كان عرق بارد نازل من جنبه، وأنفاسه بتتقطّع.
مد إيده، وسابها معلّقة في الهوا فوق راسي… بين التهديد والرجاء.
بقلم أسما السيد حكايات توته وستوته
“زينة… لو فتحتي الباب دلوقتي… مش هعرف أرجّعك.”
سلسلة حكايات اسما السيد حكايات توته وستوته
الجملة دي… كسرت حاجة جوايا.
كنت طول الوقت خايفة أعرف هو مخبّي إيه.
بس في اللحظة دي… حسّيت إن سرّه مش بس يخصّه…
ده بقى يخص حياتي أنا كمان.
الصوت برا الباب سكت ثانيتين… وبعدين جِه أقرب، كأن صاحبه حطّ بُقه على الباب الخشب، وقال بجُملة ما أنساهاش:
“إنتي ناسية يا زينة إنك اللي طلبتيني؟”
قلبي وقف.
طلبته؟ إمتى؟ إزاي؟
بصيت لِهاشم… لقيت عينه متعلّقة في الضلمة… وفيها دمعة مش عارف تنزل.
وهو يهمس:
“من قبل ما تتجوزيني… بليلة.”
.. يتبع..





