قصص قصيرة

ساعد امرأة عجوز تحت المطر… فاكتشف أنها أمّ المدير التنفيذي

على الحاسوب ثم رفعت رأسها دون أي تعاطف يذكر وقالت 
نعتذر يا سيد هيريرا انتهت المقابلة. المدير ملتزم جدا بالمواعيد.
قال مستعطفا 
تأخرت بس كم دقيقة ساعدت سيدة أغمي عليها بالشارع. لو تسمحيلي بس
قاطعته بابتسامة مهنية مصطنعة 
مقدرة ظرفك بس المرشح اللي بعدك دخل بالفعل. فيك تبعت سيرتك الذاتية لفرص قادمة.
سقطت كلماتها على رأسه كدلو ماء أكثر برودة من المطر الذي يبلله. شعر بمعدته تنقبض.
تمتم 
أكيد شكرا.
خرج من المبنى والملف الطري بين أصابعه وحذاؤه يصدر صوتا مبللا مع كل خطوة. المطر بدأ يهدأ لكن السماء بقيت رمادية. احتمى تحت مظلة صغيرة بجانب كشك صحف مغلق. جلس على صندوق بلاستيكي وضع الملف على ركبتيه وتنفس بعمق وهو يحارب حرقة الدموع في عينيه.
فكر بغضب 
يمكن كان لازم أكمل طريقي
لكن صورة العجوز المرتجفة في المطر عادت أمامه فورا.
لا لم يكن ليستطيع أن يتركها هناك.
مد يده إلى جيبه ليخرج هاتفه كي يخبر أمه أن المقابلة ضاعت. في تلك اللحظة بالذات اهتز الجهاز. رسالة جديدة ظهرت على الشاشة 
السيد لويس هيريرا الرجاء العودة إلى المبنى فورا. الإدارة العامة ترغب في مقابلتك حالا.
قرأ الرسالة مرتين ظانا أنها أرسلت له بالخطأ. الإدارة العامة
إنه لم يتقدم سوى لوظيفة في أدنى السلم الوظيفي.
حدق في الشاشة مجددا. عنوان البريد إلكتروني رسمي للشركة.
ابتلع ريقه. تسارعت دقات قلبه.
نهض ببطء وعاد أدراجه.
عندما دخل من الباب نظرت إليه موظفة الاستقبال نفسها بدهشة إذ رأته يدخل مبللا للمرة الثانية.
قال وهو يريها الهاتف بيد ترتجف 
الإدارة العامة طلبت تشوفني وصلتني هالرسالة.
اتسعت عيناها وتصفحت بسرعة على الحاسوب ثم تغير وجهها إلى نبرة أكثر احتراما.
قالت 
نعم تفضل. خذ المصعد الخاص إلى الطابق الأخير.
نظر لويس إلى المصعد المعدني اللامع الأبواب المصقولة تعكس صورته شاب بثياب مجعدة ومبللة شعر ملتصق بالجبهة حذاء قديم. لم يكن هذا شكل شخص يتخيل نفسه يدخل مكتب الإدارة العامة.
دخل المصعد وبدأ يرتفع بهدوء. انعكاسه في الجدران أخبره بكل ما كان يحاول تجاهله. ومع ذلك لم يتراجع.
انفتح الباب بصوت خافت. أمامه ممر أنيق ينتهي ببابين خشبيين كبيرين. تقدمت مساعدة فتحت البابين وأشارت له بالدخول.
كان المكتب فسيحا بجدار كامل من الزجاج يطل على المدينة المغطاة بالغيوم الرمادية. خلف مكتب فخم وعلى الأوراق المنثورة أمامه جلس أرتورو.
تجمد لويس في مكانه كأن الزمن توقف.
رفع أرتورو رأسه نحوه. ارتسمت على وجهه ابتسامة صادقة.
قال بصوت دافئ 
كنت عم استناك يا لويس.
شعر لويس بقشعريرة تسري في جسده. الآن فقط أدرك أن الرجل لم يكن مجرد شخص غني بل صاحب المبنى كله وربما الشركة بأكملها.
أشار أرتورو إلى الكرسي أمامه 
تفضل اقعد.
جلس لويس بحذر يحاول ألا يقطر الماء على السجادة.
قال أرتورو وهو يتحدث بهدوء 
والدتي الآن بحالة مستقرة. الطبيب قال إنه مجرد هبوط ضغط بسيط وما في شيء خطير. وبفضلك وصلت على المستشفى بسرعة.
زفر لويس نفسا طويلا لم يكن يعلم أنه كان يحبسه.
قال 
يسعدني سماع ذلك يا سيدي. أنا بس عملت اللي لازم ينعمل.
ابتسم أرتورو ابتسامة قصيرة 
صدقني لا. اليوم الكل كان مستعجل الكل عنده شي مهم. بس أنت الوحيد اللي وقف.
التقط ملفا كان على المكتب ووضعه أمامه.
قال وهو يفتحه 
هذه بياناتك. وصلت للموارد البشرية قبل أسابيع. كانت رح تضيع بين عشرات الطلبات بس اليوم وقعت بين إيدي.
رأى لويس اسمه على الغلاف وشعر بمزيج غريب من الخجل والأمل.
تابع أرتورو وهو يطالع السطور 
شايف إنك كنت تدرس وتشتغل بنفس الوقت تعتني بأمك المريضة ومع هيك خلصت دراستك الجامعية. شايف تعب وتضحيات. والأهم من هيك اليوم شفت شيء ما بينكتب في أي سيرة ذاتية.
عم صمت ثقيل للحظات والمطر ينقر بلطف على الزجاج من الخارج.
ثم رفع أرتورو عينيه فجأة وسأل 
احكيلي يا لويس وبكل صراحة لو رجع فيك الوقت وعرفت إنك رح تضيع المقابلة كنت رح تساعد أمي مرة ثانية
اخترق السؤال قلبه. خفض نظره لثوان تتدفق أمامه صورة المرأة العجوز ارتجاف جسدها قبضتها على قميصه صوتها الضعيف وهي تشكره.
رفع رأسه وعيناه تلمعان قليلا وقال من غير تردد 
نعم يا سيدي. كنت رح أعمل الشيء نفسه. ما بقدر أعيش مرتاح وأنا تارك حدا محتاج مساعدة.
أغلق أرتورو الملف بحركة حاسمة وظهرت على وجهه ابتسامة واسعة هذه المرة ابتسامة قناعة حقيقية.
قال أخيرا 
إذن أنت بالضبط الشخص اللي بدي إياه يشتغل عندي.
ارتبك لويس وهو يرمش كمن يحاول استيعاب ما سمعه 
بتقصد
قال أرتورو 
أعرض عليك الوظيفة. مو شفقة ولا لأنك ساعدت أمي بل لأن اللي عملته برا بيخبرني مين أنت فعليا لما ما حدا يكون عم يراقبك. وهذا النوع من الناس صار نادر.
شعر لويس بأن ساقيه ترتجفان. امتزج داخله شعور بالارتياح وعدم التصديق وغصة حارة تسد حلقه. لقد خسر المقابلة الرسمية لكنه الآن في مكتب المدير التنفيذي يحصل على فرصة حقيقية.
قال بصوت متهدج 
شكرا شكرا من قلبي يا سيدي. بوعدك إنك ما رح تندم.
نهض أرتورو عن كرسيه ووضع يده على كتفه.
قال بثبات 
أنا واثق إني ما رح أندم. قسم الموارد البشرية راح يتواصلوا معك بالتفاصيل. بس قبل ما تروح في حدا حابب يشوفك.
فتح بابا جانبيا. في غرفة مجاورة كانت ممرضة تعدل بطانية على امرأة مسنة تجلس على كرسي متحرك. كان معطفها الأزرق معلقا

الصفحة السابقة 1 2 3الصفحة التالية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock