قصص قصيرة

أوقف جنازة مليارديرة بكلمتين فقط هي حيّة

الكلمات سقطت على الحاضرين دفعة واحدة ولم يجدوا لها تفسيرا. لم يكن أحد يتوقع أن تتحول قصة نجاة معجزة إلى إعلان سيغير مسار حياة إنسان بسيط ويقلب مفاهيم راسخة عن القيمة والسلطة.
قالت إليانور بصوت واضح رغم وهنها
لقد أسست مؤسسة تحمل اسم مؤسسة بروكس بتمويل أولي قدره مئة مليون دولار هدفها تدريب الطواقم الطبية والعاملين في المستشفيات على التعرف على الحالات النادرة التي تشبه المۏت لكنها ليست مۏتا.
تبادل الحضور النظرات وارتفعت همهمات خاڤتة. كان بعضهم مذهولا من الرقم وبعضهم من الاسم وبعضهم من الجرأة ذاتها.
ثم التفتت إليانور نحو كاليب الذي كان يقف في طرف القاعة مرتبكا لا يعرف أين يضع يديه وكأنه تائه في مكان لا يشبه عالمه.
وقالت
وعرضت على كاليب بروكس أن يكون المدير التنفيذي لهذه المؤسسة.
ساد الصمت مجددا.
حدق كاليب فيها طويلا وكأن الكلمات تحتاج إلى وقت لتصل إليه. لم يكن يتخيل وهو يمسح الأرضية قبل أيام أن ينطق اسمه في مؤتمر صحفي أو أن يربط بمشروع وطني بهذا الحجم.
قال أخيرا بصوت خفيض لا يخلو من الصدق
أنا لا أعرف كيف أدير مؤسسة. لم أدرس الإدارة ولم أعمل يوما في هذا العالم.
ابتسمت إليانور ابتسامة هادئة خالية من التكلف وقالت
لكنك عرفت كيف تنقذ حياة إنسان حين صمت الجميع. وهذا بالنسبة لي أعظم مؤهل.
لم يصف كاليب بروكس نفسه يوما بالبطل.
لم يحب الألقاب.
ولم يسع يوما إلى الضوء.
عاد إلى بيته تلك الليلة كما اعتاد بخطوات هادئة وجلس طويلا في صمت يفكر في ما حدث. كان يدرك أن حياته لن تعود كما كانت لكنه كان يعلم أيضا أن قيمته لم تتغير ما تغير فقط هو أن العالم بدأ يراها.
في الأسابيع التالية لم يتخل كاليب عن بساطته.
ظل يرتدي ملابس عادية.
وظل يتحدث بهدوء.
وظل يصغي أكثر مما يتكلم.
لكنه بدأ يزور المستشفيات ويتحدث إلى الأطباء والممرضين ويروي ما رآه بعينيه لا من كتب أو محاضرات بل من تجربة كادت تنتهي بمأساة لا تغتفر.
وبمرور الوقت تغيرت بروتوكولات.
أعيد النظر في إجراءات.
أنقذت أرواح.
أما إليانور ويتمور فقد استعادت حياتها ببطء.
لم تعد تنظر إلى ثروتها بالطريقة نفسها.
ولم تعد ترى نفوذها ضمانا للحماية.
كانت تقول لكل من يقابلها
المال يشتري الكثير لكنه لا يشتري الانتباه. والانتباه هو ما أنقذني.
لقد عاشت.
لا لأن اسمها كان كبيرا.
ولا لأن حساباتها البنكية كانت ممتلئة.
ولا لأن نفوذها كان واسعا.
بل لأنها صادفت في لحظة فاصلة رجلا اعتاد أن يكون غير مرئي
رجلا رفض أن يشيح بنظره
ورفض أن يصمت
ورفض أن يفترض أن غيره سيهتم.
وهكذا تعلم العالم درسا لم يكن مستعدا له
أن البطولة لا تسكن المكاتب الفاخرة دائما
ولا ترتدي البذلات الأنيقة
ولا تتكلم بصوت عال.
أحيانا
تأتي البطولة ممسكة بممسحة
واقفة في آخر القاعة
لكنها ترى ما لم يره الجميع.
وأحيانا
الشخص الذي ينقذك
هو الشخص الذي لم يظن أحد يوما أنه مهم.

الصفحة السابقة 1 2 3

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock