قصص قصيرة

البرفيوم

من أول ما ليلى بنت خالته دخلت بيتي وأنا قلبي مش مرتاح.
زيارة سريعة، ضحك مصطنع، وهدية صغيرة اتحطت في إيدي كإنها حاجة عادية…
برفيوم.

ضغطت عليّا أرش منه، قالتلي: «جربّيه، ريحته تحفة»
ما كنتش أعرف إن الرشة دي هتفتح باب مش هعرف أقفله.

بعدها بساعات، رقبتي ولعت.
ورم، وجع، ولون عمري ما شوفته في جلدي قبل كده.

مسكت الموبايل وكلمته فورًا.
محمد ياروحي…
أنا رقبتي بقت كده من وقت ما ليلى بنت خالتك مشيت، من البرفيوم اللي ادتهولي وضغطت عليّا أرش منه. أنا تعبانة أوي… أعمل إيه؟

ردّ عليّا بانزعاج، يمكن عشان ناديته باسمه،
مع إنه متعود دايمًا إني أقوله: بابا.

لا ولا أي حاجة، دي تلاقيها حساسية. متروحيش ترشي منه تاني وخلاص.

كتبتله وأنا بحاول أتماسك:

مش قصدي أناديك باسمك، آسفة يا بابا يا حبيبي…
بس أنا فعلًا مش قادرة أستحمل الورم والتعب اللي فيا.

استنيت كلمة تطمّن، أي إحساس…
بس الصدمة جات في مسدج بارد، من غير ذرة مشاعر:
معلش، خدي حباية مسكن وفكك مني دلوقتي.
قفلت الموبايل وأنا حاسة إن قلبي اتخبط في صدري. مش من الوجع… من البرود.

إزاي الكلمتين دول طالعين من واحد أنا بناديه بابا؟ إزاي التعب اللي في رقبتي دا عادي؟ إزاي الوجع اللي بيزيد مش مستاهل حتى سؤال؟

قومت من على السرير بالعافية، دخلت الحمام، وقفت قدام المراية. اللي شوفته خلاني أصرخ.

رقبتي مش بس مورمة… لونها كان مائل للأسود، وفيه عروق طالعة بشكل غريب، كأن حد رسمها بالقلم. لمستها… نار. وجع يخوّف، مش وجع حساسية خالص.

افتكرت البرفيوم. الازازة الصغيرة اللي ليلى سابتها على التسريحة. قربت منها، شميته تاني. ريحة تقيلة… مش ريحة برفيوم. ريحة تراب مبلول، ودخان، وحاجة مسكرة تخنق النفس.

وفجأة…
دوخة.

الدنيا لفت بيا، مسكت حافة التسريحة بالعافية. ودانيّ بتزِن، وصوت واطي في دماغي، مش واضح، بس كأنه همس:

«فتحتي الباب…»

وقعت على الأرض.

مش فاكرة غبت قد إيه، بس لما فوقت، كانت الدنيا ليل. رقبتي بتوجع أكتر، والورم زاد. قمت أزحف لحد السرير، ومسكِت الموبايل، دخلت على جروب العيلة.

ليلى كانت أونلاين.

كتبت:

ليلى، البرفيوم اللي إنتِ اديتهولي…
إنتِ جايباه منين؟

قعدت دقيقة… دقيقتين…
ولا رد.

1 2 3الصفحة التالية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock