
صورة معلّقة في قصر كشفت سرّ زوجته بعد سنوات من الزواج
يكفي من الأدلة لإسقاطكم جميعا.
ساد صمت ثقيل.
تبادل الرجال النظرات وظهر الاضطراب واضحا على وجوههم. شحب وجه الرجل الذي كان يتحدث قبل قليل بثقة وتراجع نصف خطوة إلى الخلف دون أن يشعر.
لم تمر أيام كثيرة حتى بدأت الحقيقة بالظهور.
خرجت الوثائق إلى العلن.
كشفت التحقيقات التواقيع المزورة والحسابات الوهمية وخيوط الاحتيال التي امتدت لسنوات.
وأثبتت التقارير أن الحادث لم يكن سوى مخطط مدروس لإقصاء وريثة شرعية والاستيلاء على الميراث.
تدخلت السلطات.
فتح الملف من جديد.
وصودرت الممتلكات.
أغلقت أبواب القصر بالشمع الأحمر وأزيلت الصورة الجنائزية التي كانت معلقة على الجدار كأنها شاهد كاذب على موت لم يحدث.
عادت لوسيا إلى الواجهة رسميا
لا لتطالب بالقصور
ولا لتستعيد حياةالترف
بل لتضع نهاية لصفحة ظلت تطاردها طويلا.
باعت القصر بعد انتهاء الإجراءات.
وزعت جزءا من المال على الجمعيات الخيرية وساعدت بالجزء الآخر كل من تضرروا من تلك العائلة ونفوذها كأنها تحاول إصلاح ما أمكن من الخراب الذي خلفه الماضي.
أما خافيير
فبقي عامل توصيل كما كان.
يخرج كل صباح بدراجته القديمة
يعبر الشوارع نفسها
ويعود في المساء إلى البيت نفسه.
لكن شيئا واحدا تغير.
لم يعد الخوف يسكن خطواته
ولا القلق يرافقه كلما فكر في الغد.
في إحدى الليالي وهما يجلسان معا في هدوء بعد يوم طويل أنهكهما جسديا ونفسيا كان البيت غارقا في سكون دافئ. الضوء الخافت يتسلل من المصباح الصغير في الزاوية وصوت المدينة البعيد بالكاد يسمع خلف النوافذ المغلقة. ساد بينهما صمت لم يكن ثقيلابل صمت مشاركة واطمئنان.
قطع خافيير ذلك الصمت بصوت منخفض كأنه يخشى أن يوقظ ذكرى ما
هل ندمت على العودة
لم تجبه فورا. بقيت لوسيا تحدق في الفراغ أمامها وكأنها تستعيد شريط سنوات كاملة في لحظة واحدة. ثم مالت برأسها ببطء وأسندته إلى كتفه وأغمضت عينيها كمن وجد أخيرا مكانا آمنا.
لو لم أعد قالت بهدوء لبقيت هاربة طوال حياتي. أتنقل من اسم إلى اسم ومن مدينة إلى أخرى أحمل حقيبة صغيرة وذاكرة مثقلة بلا جذور ولا ماض أستطيع الاعتراف به. كنت سأعيش نعم لكن دون أن أشعر أنني أنتمي حقا إلى أي مكان.
توقفت لحظة ثم أضافت بصوت امتزج فيه الامتنان بالحزن
لكن بفضلك امتلكت الشجاعة لأواجه ماضي بدل أن أظل أهرب منه.
ظل خافيير ينظر إليها طويلا. لم يكن في نظرته سؤال ولا عتاب بل فهم صامتوإحساس عميق بما مرت به دون أن تقوله كله.
امرأة كان لها يوما صورة جنائزية معلقة في قصر فخم يملؤه الصمت والرهبة
أصبحت الآن تجلس بجانبه تبتسم بهدوء في بيت صغير
بيت لا تحيط به الحراسة
ولا تراقبه الكاميرات
ولا تخفي جدرانه أسرارا ثقيلة.
بيت بسيط لكنه حقيقي.
وفي تلك اللحظة أدرك خافيير حقيقة لم يكن قد فكر بها من قبل حقيقة لم تعلمه إياها الطرق الطويلة ولا أيام العمل الشاق
أن هناك موتا لا يحدث داخل تابوت
بل يحدث في لحظة خوف
وفي كل مرة نختار فيها الهروب بدل المواجهة.
وأن هناك حياة لا تبدأ فعلا مع تغيير الاسم
ولا مع الهروب إلى مكان جديد
ولا مع طمس الذكريات
بل تبدأ فقط حين نمتلك الشجاعة الكافية لدفن الماضي كما هو
دون إنكار
ودون كذب
ودون خوف.
حينها فقط نستطيع أننمضي قدما
بقلوب أخف
وخطوات أصدق
ودون أن نلتفت وراءنا.





