
سافرت 12 ساعة لأرى حفيدي فطُردت من غرفة الولادة وبعدها رفضت دفع الفاتورة
بي يوما. الكلمات لها عواقب. إذا لم أكن جيدة بما يكفي لأكون في الغرفة وأشارك الفرح فلن أكون جيدة بما يكفي لأكون في الفاتورة وتحمل التكاليف.
اتهمها قائلا
هذا اڼتقام!
قالت بهدوء
لا يا بني. هذا كرامة. لماذا لا تطلب من والدي إلينا إنهما هناك أليس كذلك لقد استمتعا بالطفل وبالغرفة الخاصة وبالصور. لا بد أنهما سيكونان سعيدين بدفع ثمن الامتياز الذي حظيا به.
ساد صمت آخر. كانت لوسيا تعرف الجواب جيدا. كان والدا إلينا معروفين بالبخل وبالعيش على المظاهر. تمتم ماركوس بصوت خاڤت
إنهما لا يستطيعان الآن. أمي من فضلك. إلينا غاضبة جدا. تقول إن رفضك الدفع يثبت أنك لا تهتمين بالطفل.
شعرت لوسيا بوخزة ألم لكنها تذكرت البطانية الصوفية المخزنة في الخزانة التي رفض تقديمها. قالت بحزم
يمكن لإلينا أن تقول ما تشاء. يبدو أنها تقول ذلك منذ سنوات. اسمعني جيدا يا ماركوس أنا أحبك لكنني لست صرافا آليا بلا مشاعر. سافرت وحاولت أن أكون حاضرة فتم إقصائي. عمرك اثنان وثلاثون عاما. لديك زوجة وطفل. حان الوقت لتحمل مسؤولية الأسرة التي اخترتها والحدود التي فرضتها تلك الأسرة. دبر أمرك مع زوجتك ومع عائلتها المميزة.
أنهت المكالمة وأطفأت الهاتف. أعدت لنفسها كوب شاي وجلست أمام النافذة.بكت نعم. بكت على العلاقة التي ظنت أنها تمتلكها فإذا بها وهم كانت تموله بنفسها. لكن بين الدموع شعرت بخفة غريبة فقد زال ثقل محاولة إرضاء من يزدريها.
كانت الأيام التالية قاسېة. حاول ماركوس الاتصال مرات عديدة وترك رسائل صوتية تراوحت بين التوسل واللوم. لم تجب لوسيا. كانت تعلم أنها إن رضخت الآن ودفعت تلك العشرة آلاف دولار فستؤكد أن قيمتها الوحيدة لديهم مالية. كانت تعلم أن ماركوس وإلينا اضطرا إلى أخذ
قرض سريع بشروط سيئة وأن ذلك أشعل أول خلاف زوجي حقيقي بينهما خلاف لم يعد المال يظهر فيه فجأة لتليين المشاكل. لقد اڼفجرت فقاعة الوهم التي كانا يعيشان فيها.
مرت ستة أشهر. كان الصمت بين الأم وابنها حاجزا ثقيلا ومؤلما لكنه كان ضروريا. كرست لوسيا ذلك الوقت لإعادة الاتصال بذاتها والخروج مع صديقاتها والحياكةلا لمن لا يقدرها بل لجمعية خيرية محلية.
في عصر يوم أحد رن جرس بابها. فتحت الباب لتجد ماركوس واقفا وحده. بدا أنحف مع هالات داكنة تحت عينيه وملابسه لم تكن متقنة كعادته. لم يكن في ملامحه شيء من الغطرسة أو المطالبة التي ميزت مكالمته الأخيرة.
قال بصوت متهدج
مرحبا يا أمي.
أجابت بهدوء مرحبا يا ماركوس وبقيت عند عتبة الباب دون أن تدعوه للدخول فورا.
خفض رأسهوقال
جئت لأعيد لك هذا. أخرج ظرفا من سترته. هذه أول خمسمئة دولار. أعلم أنني لا أدين لك قانونيا لكنني أدين لك بأكثر من ذلك. سيستغرقني سنوات لأرد كل ما قدمته لنا في الماضي لكنني أريد أن أبدأ اليوم.
نظرت لوسيا إلى الظرف ولم تأخذه.
لا أحتاج مالك يا ماركوس. أنت تعلم أن الأمر لم يكن قرضا يوما.
قال وهو يبكي
أعلم. لكنني بحاجة إلى ذلك. بحاجة لأن أبدأ في أن أكون الرجل الذي كان ينبغي أن أكونه في ذلك المستشفى.
قص عليها ماركوس حقيقة الأشهر الستة. إن رفض لوسيا الدفع أحدث زلزالا. وحين طلبا المساعدة من والدي إلينا ڠضبا وغادرا موضحين أنهما كانا في زيارة لا لحل المشكلات. ضړبت تلك الحقيقة ماركوس بقوة. أدرك أنه همش الشخص الوحيد الذي كان حاضرا له بلا شروط لإرضاء زوجة وأصهار لا يرون إلا فائدة اللحظة.
قال معترفا وقد انكسر صوته وهو يحاول أن يبدو ثابتا
مررنا بأزمة قاسېة يا أمي. أزمة لم أشهد مثلها في حياتي. كدنا ننفصل أنا وإلينا بالفعل. كانت أياما ثقيلة مليئة بالصړاخ واللوم والندم المتأخر. اضطررنا لبيع السيارة الجديدة التي كنا نتباهى بها أمام الناس واضطررنا إلى تخفيض نمط حياتنا بالكامل كي نتمكن من سداد دين المستشفى. لم يعد هناك مطاعم فاخرة ولا ملابس جديدة ولارحلات. كنا نعد كل قرش قبل أن ننفقه. لكن رغم كل ذلك أعتقد اليوم وبصدق مؤلم أن ما حدث كان أفضل ما مررنا به.
توقف لحظة وكأنه يستجمع شجاعة الاعتراف بما لم يجرؤ على قوله من قبل ثم تابع
اضطرت إلينا للنزول من وهمها. الوهم الذي كانت تعيش فيه حيث الجميع يجب أن يخدم راحتها وحيث الحب يقاس بما يدفع من مال لا بما يقدم من احترام. واضطررت أنا أنا بالذات للتوقف عن الجبن. أدركت أنني كنت أختبئ خلفك دائما أتركك تتحملين العبء وتدفعين الثمن وتهملين مشاعرك بينما أنا ألوذ بالصمت حتى لا أغضب زوجتي أو أهلها.
رفع رأسه أخيرا ونظر في عينيها مباشرة وقال بصوت أكثر صلابة
قلت لإلينا بوضوح إنني لن أسمح بعد اليوم بإهانتك. لا بكلمة ولا بتلميح ولا بتجاهل. وقلت لها أيضا وبصراحة قاسېة إن كانت عائلتها هي الوحيدة التي تهم في الاحتفالات وفي اللحظات السعيدة وفي الصور وفي الغرف الخاصة فكان عليهم أن يدفعوا ثمن تلك الاحتفالات. لا يمكن أن تكوني مستبعدة حين يكون الفرح حاضرا ومطلوبة فقط حين تأتي الفاتورة. فهمت الرسالة بالقوة لأنني هذه المرة لم أتراجع.
كانت لوسيا تستمع إليه بصمت. لم تقاطعه ولم تظهر دهشة لكنها شعرت بشيء يتحرك ببطء داخل صدرها. شيء يشبه الألم القديم وهو يتحول لأول مرة
إلىفهم
واعتراف متأخر.
تنحت خطوة





