قصص قصيرة

لحـن القـوه… حكايات اسما

دنيا كانت حامل في اخر شهر لما طلق الولاده جالها في نص الليل لوحدها…اتصلت علي جوزها اللي نايـم في حضن عشـ، يقته ورد عليها ببرود يخوف = اتصـرفي ولـو طلعت بنت ربيها لوحدك يا دنيا انا مش عاوز بنات…وقفل وكمل الحـ رام اللي واقع فيه..

========

في  صباح اليوم التالي وبعدما  عاد بعد ليلته الحمراء.. إلى المنزل، انقلب عالمه رأسًا على عقب.

في تلك الليلة، كان المطر يهطل بلا توقف على أسطح شبرا الرمادية، والرياح تعوي في الأزقة الضيقة، وفي الطابق الخامس من عمارة قديمة، كانت دنيا منحنية على نفسها، يدها قابضة بقوة على بطنها المنتفخ، تتنفس بصعوبة، والعرق يتصبب من جبينها…

كانت تحاول الوصول إلى الهاتف الموضوع على الطاولة، وكل خطوة تكلفها ألمًا مضاعفًا. ارتعشت أصابعها وهي تضغط على اسم زوجها=نسيم… نسيم، حاسّة إن هولد دلوقتي… الطلق زايد عليا اوي … بالله عليك تعال خدني المستشفي، أنا خايفةولوحدي

ساد صمت قصير، ثم جاء صوته، جامدًا، محتقرًا:بتهزري؟ ما قلتلك قبل كده، لو دي بنت كمان، مالكيش مكان هنا. أنا مش مستعد أربي خيبة أمل تانية.

=إنت بتقول كده وإنت ابنك جاي الدنيا دلوقتي؟!

قالتها دنيا وهي تبكي، والدموع تختلط بالعرق على وجهها.

— أنا مش فاضي… دبرّي نفسك يا ستي ..انتي عارفه اني مسافر ارجعلك فين دلوقتي…ثم انقطع الخط بصوت حاد قاسي.

شعرت دنيا بأن قدميها لم تعودا قادرتين على حملها.

تمسكت بسور السلم وصرخت من شدة الألم….وصل صراخها إلى الحاجة أم حسن، جارتها في الدور اللي تحت، أرملة كبيرة في السن، خرجت مذعورة، وما إن رأت وجهها الشاحب حتى أمسكت بالهاتف واتصلت بالإسعاف فورًا..

في الوقت نفسه، كان نسيم مستلقيًا في جناح فاخر بأحد فنادق الساحل الشمالي، ممددًا على ملاءات حريرية، كأس عصير في يده، وبجواره رنا، مساعدته الشابة، تضحك بخفة.

قالت له وهي تنظر إليه بشيء من القلق: مش خايف اللي بتعمله ده بترد ليك؟ تكذب على مراتك وهي بتولد؟

هز كتفيه بلا مبالاة: دنيا دي في داهيه ست ضعيفة، مالهاش طموح، ولا جاذبية…إنتِ غيرها…إنتِ كل اللي هي مش قادرة تكونه..مش عاوز غيرك انتي

ولما تجيبيلي ولد، ساعتها أسيب كل حاجة علشانك.

كان يرمي وعودًا فارغة، وهو لا يدري أن في مكان آخر، كانت دنيا  تقاتل وحدها من أجل الحياة.

بعد ساعات طويلة من الألم، وُلدت الطفلة مريم، ضعيفة الجسد، لكنها حيّة. وبعد الولادة مباشرة، فقدت دنيا وعيها.

في ظهر اليوم التالي، عاد أحمد أخيرًا إلى القاهرة.

وعندما وقف أمام بيته في قليوب، وأدخل المفتاح في الباب، لم يكن مستعدًا أبدًا لما كان في انتظاره…عايز تعرف اللي حصل…صلي على محمد

حين فتح نسيم باب الشقة، استقبله صمت ثقيل لم يعتده.

لا صوت أقدام، لا أنين، لا حتى بكاء رضيع كما توقع في أسوأ السيناريوهات. كان البيت باردًا، رغم أن الشمس في كبد السماء، وبرودة الصمت كانت أقسى من أي طقس.

خلع حذاءه بلا اهتمام، ألقى المفاتيح على الطاولة، ونادى بصوت أجوف:دنيا؟ لم يجبه أحد.

تحرك بخطوات بطيئة نحو غرفة النوم، فلاحظ أن السرير مرتب بعناية غير معتادة، كأن أحدهم غادره للأبد، وعلى الكومود، كانت هناك ورقة مطوية بعناية. مد يده، فتحها، وقرأ بخط يعرفه جيدًا:

“لو قريت الورقة دي، يبقى أنا مش هنا. أنا ما موتش، بس اللي مات جوايا أكتر من اللي لسه عايش….بنتك اتولدت، اسمها مريم.

وأنا سيبتها في أمان، بعيد عنك.مش هاجي أترجاك، ولا أطلب منك حاجة..خد حياتك، خد نزواتك، بس سيبنا في حالنا.

يمكن يوم تفهم، ويمكن لأ…..دنيا.

تجمد في مكانه. قرأ الورقة مرة، واتنين، وتلاتة.

ضحكة قصيرة خرجت من صدره بلا وعي…يعني إيه سيبتها؟

يعني إيه بنتك؟ رما الورقة على الأرض، واتجه للغرفة التانية، فتحها بعصبية، ثم المطبخ، ثم الحمام.

البيت فاضي….فاضي تمامًا.

في تلك اللحظة، رن هاتفه…اسم أمه ظهر على الشاشة.

رد بضيق:في إيه يا أمي؟ أنا لسه داخل.

جاء صوتها مبحوحًا ومضطربًا:إنت كنت فين يا نسيم؟ مراتك ولدت، والبنت كانت بين الحياة والموت، ودنيا تعبت تعب محدش يستحمله…شد الهاتف في يده:

ولدت؟ طب فين هي دلوقتي؟

سكتت لحظة، ثم قالت:مش عارفة.

خرجت من المستشفى من غير ما تقول لحد حاجة…هكءا اختبروا والدته

قالوا إنها اخذت الطفلة ومشيت…كذب…قالها وهو يعرف إنها مش كذب.

دنيا عمرها ما كانت بتهرب…لكنها المرة دي هربت منه.

قفل المكالمة، وجلس على الكرسي، رأسه بين يديه.

1 2الصفحة التالية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock